رمضان وإعلام الضلال
إن النفوس تتعرض في حياتها الدنيوية لمراحل متعددة من الترقية
سواء على الجانب الإيمانى والتربوي، أو الجانب الحياتي والوظيفي؛
لكنها في نفس الوقت تحدث لها نكبات في الحياة،
وهي متعددة الأوجه بين مشاكل وعقبات مادية وضيق
العيش أحياناً مع سقطات تربوية بل ومعاصٍ شتى
كل هذا يحدث في دنيا الناس؛ فكلنا ذو خطأ وخير الخطائين التوابون.
ومن تمام العظمة الإلهية والرفق بنا كضعفاء، هذه المنحة الربانية العظيمة
"شهررمضان". الذي قال فيه ربنا:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}.
وفي هذه الآيات قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى :
يمدح شهر الصيام من بين سائر الشهور؛ بأن اختاره
من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك
قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء.
ورغم أن شياطين الجن تصفد في هذا الشهر،
فإن الشياطين من الأنس طلقاء بلا قيد أو عقاب،
وأقسموا أن يفسدوا علينا شهرنا الذي ننتظره قرباً من الله عزوجل،
فهناك المئات من القنوات تسارع الزمن لإفساد البيوت العامرة،
وتحويل شباب الأمة إلى مسخ، والكل يخرج ما في جعبته
لينال بعدد ضخم من المشاهدات والمتابعات.
إن الحرب على الدين تجري على قدم وساق
ومع الأسف بأموال عربية وأفكار عربية وتنفيذ عربي
وبلا أدنى حساب لعظمة الشهر الكريم.
إن الصائم اليوم حقيقة أمام حرب معلنة من الكثير
في وسائل الإعلام التي تعمل على مدار اللحظة
لهدم كل القيم والثوابت، سواء في رمضان أو غيره
والضحية ليست الأجيال القادمة بل والحالية،
فكم من الأمهات يجلسن بالساعات أمام المسلسلات
بشكل يزلزل ثوابت البيت المسلم وهذا أخطر شيء يتم.
ناهيك عن أن الكثير من القنوات لاتبالي بقدسية الشهر
فالأمر عندها لا قيمة له أو بشكل دقيق أن من يمولونها
ينظرون للشهر نظرة الربح المادي حتى لو على ثوابت الدين
والنيل منه، وتلبيس الدين على الناس،
وإبراز قيم هابطة وخاطئة عن إسلامنا في بعض المسلسلات
في جرأة غير مسبوقة وتهديد واضح لمعتقدات وثوابت إسلامنا.
وهذه المآسِ تفرض سؤالاً جوهريا:
كيف نواجه هذه الفتن والضلالات؟
أولا أقول ان فهم المسلم لدينه هو الضمانة الحقيقية لمواجهة
هذه الفتن، والمراد منها في هذا الشهر الكريم،
لكن هذا الفهم يجب أن يتحول لعمل واقعي وتطبيق حقيقي،
وواجب الأسرة بداية هو تعظيم الشهر في نفوس
أفرادها حتى يكون مدعاة لرفض أي انحطاط إعلامي،
أو تشويه فكري نابع منه.
ثانيا إن الأب هو قائد سفينة الأمان في البيت وواجبه الأكبر أن
يستوعب الجميع، ليجد الابن عنده الجواب، وتجد الفتاة فيه راحة البال،
حتى لا يحدث تذبذب في جنبات البيت في خط متوازٍ مع دور الأم الحاضنة.
والأب أيضاً قادر على أن يحدد مسار سفينته، ويصل بها لبر الأمان
عبر توجيه الأفراد لقنوات فيها الضوابط الصحيحة والمباحة والمصداقية.
ثم عمل حلقة قرآنية يومية، فهي تعلي من قيم الترابط
وتعمق الإيمان في النفوس، ولها آثار طيبة في استقرار البيت.
ختاماً إن وسائل الإعلام صاحبة الرسالة مطالبة بالعمل
لإيجاد وإخراج البدائل القوية، التي تنافس رسالة الهدم
التي ينفق عليها مئات الملايين، وأن كل صاحب فكر وعقل
وقدرة وموهبة مطالب اليوم بالنفير لإدراك وإصلاح ما يمكن إصلاحه
فالتحريف والتزييف والانحطاط يجري على قدم وساق.
فهل وصلت الرسالة أم أننا لازلنا في سُباتٍ عميق!
يسري المصري
كاتب وباحث في شؤون الحركات الإسلامية، مصري الجنسية،
مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات".
مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.