{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ
وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ
الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ
ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ
الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ } الحج 11 - 13
أي : ومـن النــاس مـن هو ضعيف الإيمان ،
لم يدخل الإيمان قلبه ، ولم تخالطه بشاشته، بل دخل فيه ،
إما خوفا ، وإما عادة على وجه
لا يثبـت عند المحن ، { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ }
أي : إن استمر رزقه رغدا ، ولم يحصل له من المكاره شيء ،
اطمأن بذلك الخير ، لا بإيمانه .
فهذا ربما أن الله يعافيه ، ولا يقيض له من الفتن
ما ينصرف به عن دينه، { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ }
من حصول مكروه ، أو زوال محبوب
{ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ }
أي: ارتد عـن دينه ، { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ }
أما في الدنيا، فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله الذي
جعل الردة رأسا لماله ، وعوضا عما يظن إدراكه ، فخاب سعيه ،
ولم يحصل له إلا ما قسم له،
وأما الآخرة، فظاهر، حرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض،
واستحق النار ، { ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }
أي : الواضح البين .
{ يَدْعُو } هذا الراجع على وجهه ،
{ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ }
وهذا صفة كل مدعو ومعبود من دون الله ، فإنه
لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ،
{ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ }
الذي قد بلغ في البعد إلى حد النهاية،
حيث أعرض عن عبادة النافع الضـار ،
الغني المغني ، وأقبـل علـى عبادة مخلوق مثله أو دونه ،
ليس بيده من الأمر شيء بل هـو إلـى حصول ضد مقصوده أقرب ،
ولهذا قال:
{ يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ }
فإن ضرره في العقل والبدن والدنيا والآخرة معلوم
{ لَبِئْسَ الْمَوْلَى } أي : هــذا المعبود
{ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ }
أي: القرين الملازم على صحبته، فإن المقصود
من المولى والعشير، حصول النفع، ودفع الضرر، فإذا لم يحصل
شيء من هذا، فإنه مذموم ملوم.