الناس يوم القيامة
يقول الله عز وجل { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)}سورة القيامة
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } من النضارة، أي حسنة بَهِيَّة مشرقة مسرورة، { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أي:
تراه عيانا، كما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه: "إنكم سترون ربكم عَيَانا".
في الأحاديث الصحاح عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهلُ الجنة الجنة" قال:
"يقول الله تعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبَيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟" قال:
"فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم، وهي الزيادة". ثم تلا هذه الآية: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ].
عن الحسن: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } قال: حسنة، { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } قال تنظر إلى الخالق
وحُقّ لها أن تَنضُر وهي تنظر إلى الخالق .
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } هذه وجوه الفجار تكون يوم القيامة باسرة. قال قتادة: كالحة. وقال السدي: تغير
ألوانها. وقال ابن زيد { بَاسِرَةٌ } أي: عابسة.
{ تَظُنُّ } أي: تستيقن، { أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } قال مجاهد: داهية. وقال قتادة: شر. وقال السدي: تستيقن
أنها هالكة. وقال ابن زيد: تظن أن ستدخل النار.
وهذا المقام كقوله: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ أل عمران : 106 ] وكقوله
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } [ عبس : 38 -42 ] وكقوله
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً } إلى قوله: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } [ الغاشية : 2 -10 ] . ابن كثير
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)}عبس
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ) أي: يكون الناس هنالك فريقين: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ) أي: مستنيرة
(ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ) أي: مسرورة فرحة من سرور قلوبهم، قد ظهر البشر على وجوههم، وهؤلاء أهل الجنة.
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ) أي: يعلوها ويغشاها قترة، أي: سواد. قال ابن أبي حاتم: عن جعفر بن محمد
عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يلجم الكافرَ العرقُ ثم تقع الغُبْرة على وجوههم". قال
: فهو قوله: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ) . وقال ابن عباس: (تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ) أي: يغشاها سواد الوجوه.
(أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) أي: الكفرة قلوبهم، الفجرة في أعمالهم، كما قال تعالى: { وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا } [نوح: 27]. ابن كثير