كثيرًا ما نتعرض لحوادث حياتية وصدمات تنتهي آثارها المادية في الغالب، لكن تظل آثارها النفسية حاضرة بقوة يستطيع البعض تجاوزها والبعض الآخر لا يتمكن من التعافي من الصدمات إلا من خلال الوعي بحالته النفسية واتباع نصائح المتخصصين.
يقول الدكتور أسامة الجامع -أخصائي الطب النفسي- إن الإنسان يمكن أن ينجو جسمانيًّا من الصدمات، المتمثلة في حوادث السيارات، ووفاة عزيز أو محاولة خطف...، وغيرها، لكن من الناحية النفسية تبقى آثارها قوية، البعض يتجاوزها، والبعض الآخر لا يفعل، فتبقى الندوب التي لا تمحى.
ما هي أعراض الصدمات النفسية؟
وأضاف أسامة الجامع -على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»- أن الإنسان يعتقد بعد انتهاء الصدمة وتهنئة الناس له ورحيلهم أنه بخير، لكن سرعان ما تبدأ الآثار بالظهور، فيتأثر النوم، والأكل، والمزاج، والعلاقات، والعزلة بدل الاندماج، والذكريات المؤلمة، العصبية، يبيت وقد أنكر نفسه، إذ لم يعد هو كما كان من قبل، ينتظر أن يشفى بلا طائل.
وأوضح أسامة الجامع أكثر ما يعاني منه الفرد بعد انقضاء الصدمة هي هجمة الذكريات الملحّة، وكأنه يراها أمامه، بل قد تكون مخفية، فتصعد للذهن بسبب رائحة عابرة، أو مشهد، أو خبر، ويعيش خوفًا غير مبرر، يثير استغراب من حوله، وسر خوفه أنه يخشى أن تتكرر الحادثة مرة أخرى، فتجده دائم الترقب والقلق.
تابع أسامة الجامع أنه رغم كون الحدث يحتاج إلى وقت لتزول آلامه، فكثير من الناس مع الوقت يتجاوز الألم، وتعود حياته كما كانت وقد يستغرق أشهرًا، وهناك بعض التوصيات التي تعجل عملية الشفاء، ولا بد للإنسان أن يعمل شيء فيه جهد ليتجاوز مشكلته لا أن ينتظر معجزة أو منقذًا يساعده.
أوضح أسامة الجامع خطوات عدة للتعافي بناءً على نصائح توصيات جمعية علم النفس الأمريكية APA التي نشرتها في أغسطس 2003، في ما يلي.
1- بعد الصدمة مباشرة، اسمح لنفسك بمساحة للمشاعر السلبية، البعض يرفض أن يشعر بالسوء ويظنه ضعفًا، دع مشاعر الألم تأخذ مجراها، لا بد من خوض الألم لتشفى، اسمح للوقت، اسمح للشعور وتقبل ذلك. ستزيد الأمر سوءًا إذا غضبت من نفسك لماذا أنت متراجع أو متألم، بل هو طبيعي، وتطول مدة الألم كلما قاومت.
2- ابحث عن دعم اجتماعي، الإنسان ضعيف لوحده قوي بمن معه، احصل على دعم عائلتك، أصدقائك، أو ربما معالج نفسي غريب، ففيه شفاء، البعض يحبس تلك المشاعر، ويظهر مشاعر زائفة ليست له، مخافة أن يزعج عائلته، أو لكي لا يظهر أمامهم أنه ضعيف، ابحث عن الذي تثق به وتأمنه، وفقًا للدكتور أسامة الجامع.
دور الدعم الاجتماعي والعادات الصحية في التعافي من الصدمات
3- انخرط في الأنشطة، البقاء بلا فعل شيء لا يساعد، الأفكار السلبية تهجم على الفارغين، ابحث عن مشروع، عمل تطوعي، اخترع عملًا، انشغل بما يأخذ وقتك، قم بكتابة يومياتك، ومشاعرك، فالكتابة عامل مساعد للشفاء وتنفيس.
4- ابحث عن مجموعات الدعم التخصصية المشابهة لك بعد الصدمة، فلست وحدك، كثيرون مروا بما مررت به، أبحث عن أشخاص خاضوا نفس التجربة، تواصل معهم، هناك مجموعات تتواصل مع بعضها بحوادث مماثلة، ابحث عنهم، تحدث إليهم، تعلم من الذين شفوا، لست مضطرًا للعيش وحيدًا بألمك.
5- شمّر عن ساعديك في دعم نفسك بعادات صحية لم تكن موجودة لديك من قبل، مثل ممارسة الرياضة اليومية، الإقلاع عن التدخين، عمل حمية ولياقة، ممارسة التأمل والتيقظ الذهني، الالتزام بـ7-8 ساعات نوم فقط، أخذ دورات وقراءة عن العادات الصحية، فقد يعطيك ذلك جزء من الشفاء.
متى تذهب للعيادة النفسية للتعافي من آثار الصدمة؟
6- اذهب للعلاج النفسي مثل العلاج الدوائي، وجلسات العلاج النفسي بالحوار، وانتبه أن تتخذ قرارات مصيرية، فهذا ليس الوقت المناسب، وتذكر أن الثمن الذي ستدفعه في تجنب العيادة النفسية أكثر بكثير من الثمن الذي ستدفعه لو ذهبت، اكسب نفسك ولو خسرت نظرة الناس.
7- ما بك هو ابتلاء خارج إرادتك، فاحذر لوم نفسك، ما بك يحتاج إلى صبر ودعاء، فلا تيأس، المسألة قد تستغرق شهورًا عدة وتطول كلما سخطت، لا بأس، قم بحزمة أفعال، للتعافي من الصدمة ليس فقط دواء عن طريق الدواء، بل رحلة طويلة بها جهد وتخطيط، وتضحية، وألم.