"وحدها المرأة التى عثر عليها فى قصاصة الورق من سوف تشيعه إلى مثواه الأخير، ملتفة بسواد ريفى فقير، ويدها على الخشبة التى ضمت جسده النحيل، وبين الحين والآخر، تهتف بصوت مشحون بكل ما فى قلبها من امتنان ووحشة "أنا معاك يا حمدى، انا جانبك أهو ...!! متخفش..!!
هكذا كتب الناقد الدكتور محمد عبد الباسط عيد، فى تاريخ الثانى من فبراير 2020، قبل انتشار فيروس كورونا، على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" ينعى "حمدى عبد النعيم" ابن قريته الذى مات وكيف سارت جنازته وكيف ودعته زوجته بكل هذا الصدق، يومها تأثرت جدا بهذا الموقف وسال الدمع من عينيى وأنا أتخيل الزوجة السائرة بجانب الزوج الميت وهى تنادى عليه، يومها تمنيت أن تبكينى يوم موتى امراتى وأخواتى البنات وابنتى وبنات أخواتى وأمهاتهم، بالطبع أشفق أن تبكينى أمى.
الوداع هو أكثر شيء يشغلنى فى فيروس كورونا، كيف يموت أحبابنا، ولا نخرج خلفهم، لانصرخ فى جنازتهم، ولا ينزل ملح عيوننا فيبلل النعش ويكشف عن النار المشتعلة فى قلوبنا، كيف لا تكون أيدينا الدافئة هى آخر ما يلمسه الجسد المستكين لأحبابنا الراحلين.
الوداع، الذى يذهب بعض المتشددين دينًا إلى منعه أو التقليل من قيمته، هو رسالة حب للإنسان الراحل، بالطبع ليست الأخيرة، لكنها الأكثر شجنا والأكثر احتفاظا بلحظة الفراق، فكيف تغيب هذه اللحظة بسبب ذلك الملعون كورونا.
حزين من أجل الإيطاليين الذين لا يودعون أحبابهم، حزين من أجل كل الموتى الذين يذهبون وحيدين أو بواسطة أيدى غريبة إلى مستقرهم الأخير، بالبطبع ماتوا وفى قلوبهم غصة، للأنهم لم يكونوا يعلمون أن الدنيا تافهة لهذه الدرجة.
أحمد إبراهيم الشريف