بسم الله الرحمن الرحيم
التغيرات الكونية الهائلة بما تتضمنه من إشعار الخلق بضعف حيلتهم وهوان أمرهم وشدة
حاجتهم وغير ذلك من المعاني هي من الأسباب الدافعة للإيمان والعمل الصالح، ومع
اشتداد التغيرات المصاحبة للآية الكونية وسعة آثارها يعظم الأثر الإيماني في نفوس
الخلق، وقد يتخلف أثر هذا السبب لوجود الموانع كما قال تعالى: {وإن يروا آية يعرضوا
ويقولوا سحر مستمر}.
فلذلك إذا حدث التغير الأعظم في آخر الزمان وانخرم نظام الشمس المألوف، وخرجت من
مغربها آمنت كل نفس على وجه البسيطة، فلم يبق في الأرض كافر، ولكن هذا الإيمان لم
ينفعهم، وذلك -والله أعلم- لكون إيمانهم بعد تلك الآية الكونية المهولة المتجاوزة لجميع
التغيرات الكونية المعتادة لا فضيلةَ فيه، فكأنه إيمانُ قَسر وقَهر.
في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تقوم
الساعة حتى تطلعَ الشمسُ من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا جميعا. وذلك حين لا
ينفع نفسًا إيمانها"، ثم قرأ الآية: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي
بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمن من قبل أو
كسبت في إيمانها خيرا}.
ومن أجمل ما مر بي تعليقا على هذا الحديث ما ذكره العلامة المعلمي -رحمه الله تعالى-
ومنه قوله في تفسير عدم قبول إيمانهم: (فأما إيمان الناس جميعًا، فوجهه - والله أعلم - أن
النفوس مفطورة على اعتقاد وجود الله عَزَّ وَجَلَّ وربوبيته، ومن شأن ذلك أن يسوق إلى
بقية فروع الإيمان، وآيات الآفاق والأنفس تؤكّد ذلك، ولكن الشبهات والأهواء تغلب على
أكثر الناس حتى يرتابوا فيتبعوا أهواءهم، فإذا طلعت الشمس من مغربها لحقهم من الذُّعْر
والرعب لشدة الهول ما يمحق أثرَ الشبهات والأهواء، وتفزع النفوس إلى مقتضى
فطرتها، فتلك الآية في حقّ مَن يكون قد بلغه أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بها
= حجةٌ مكشوفة قاهرة، وكذلك هي في حقَّ من لم يبلغه لكن بمعونة الرعب والفَزَع وشدة
الهول).
,
سليمان بن ناصر العبودي
~