ثعلبة بن حاطب
رضى الله تعالى عنه
نسبه :
هو ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عوف بن مالك الأنصاري الأوسي .
قال ابن هشام : وهو من بني أمية بن زيد ومن أهل بدر، وليس من المنافقين
فيما ذَكَرَ لي مَنْ أَثِقُ بِهِ من أهل العلم [1] .
وقد ثبت أنه قال لا يدخل النار أحد شهد بدرًا والحديبية و حكى عن ربه أنه قال لأهل بدر:
( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )
فمن يكون بهذه المثابة كيف يعقبه الله نفاقًا في قلبه وينزل فيه ما نزله الظاهر أنه غيره والله أعلم [2] .
وقد ذكر الطبرسي في مجمع البيان في أحكام القرآن " وقيل : نزلت آيات سورة التوبة
في حاطب بن أبي بلتعة ،
وكان له مال بالشام فأبطأ عليه وجهد لذلك جهدًا شديدًا فحلف لئن آتاه الله ذلك المال ليصدقن ،
فآتاه الله تعالى ذلك ، فلم يفعل " .
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه من الذين بنوا مسجد الضرار "
وكان الذين بنوه اثنا عشر رجلاً وهم خذام بن خالد وفي جنب داره كان بناء هذا المسجد وثعلبة بن حاطب".
وهذا مما لا يتفق مع شهوده بدر الكبرى ، واستشهاده في أحد .
افتراء.. ورد :
من القصص المشهورة قصة الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب
مع رسول الله
و مع خلفائه أبي بكر وعمر وعثمان.
و مع أن هذه القصة ضعيفة من ناحية إسنادها ، ومنكرة من ناحية متنها ،
ومع أنه نبه على ضعفها الكثير من أهل العلم قديمًا وحديثًا ،
إلا أن كثيرًا من الوعاظ والمفسرين ذكرها دون أن يقرن ذلك بذكر ضعفها .
و ملخص هذه القصة :
جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله ، وقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً ،
فقال :
( ويحك يا ثعلبة ، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ) ،
ثم جاءه بعد مدة وكرر عليه القول
فقال له :
( أمالك فيَّ أسوة حسنة ،
والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبًا وفضة لسارت ) ،
ثم جاءه بعد مدة وكرر عليه القول وقال : والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً
لأعطين كل ذي حق حقه ،
فقال له رسول الله :
( اللهم ارزق ثعلبة مالاً ) ،
فاتخذ غنمًا فنمت كما ينمو الدود ، فكان يصلي مع رسول الله الظهر والعصر
ويصلي عند غنمه باقي الصلوات ، ثم أصبح لا يشهد مع رسول الله سوى الجمعة ،
ثم كثرت غنمه وزادت فتقاعد حتى لا يشهد الجمعة ولا الجماعة .
فقال رسول الله ذات يوم : " ما فعل ثعلبة ؟ " , فقيل له : اتخذ غنمًا لا يسعها وادٍ ،
فقال : " يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة " ،
فلما وجبت الزكاة أرسل الرسول رجلان ليجمعا الصدقة وقال لهم :
" مُرا بثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سُليم فخذا صدقاتهما " .
فمرا على حاطب وأمراه بدفع الزكاة فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ،
وطلب منهما العودة إليه عند الفراغ من جمعه ، فذهبا إلى السُلمي فأخرج أطيب ما عنده ،
فرجعا إلى حاطب فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، اذهبا حتى أرى رأيي ،
فأقبل الرجلين على رسول الله فقال قبل أن يسألهم : " يا ويح ثعلبة " ودعا للسُلمي بخير،
فأنزل الله قوله :
{ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ }
[التوبة : 75]
إلى قوله :
{ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }
[التوبة : 77] ،
فذهب رجل من أقارب ثعلبة يخبره بأن الله أنزل فيه قرآن،
فخرج ثعلبة حتى أتى رسول الله فسأله أن يقبل صدقته
فقال :
( إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك ) ،
فجعل يحثي التراب على رأسه , فقال رسول الله :
"هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني " .
فلما قُبض رسول الله ، وجاء أبو بكر حين استخلف ، فجاء ثعلبة بصدقته فلم يأخذها أبو بكر،
وكذلك حين استخلف عمر لم يأخذها منه ، وكذلك عثمان حين استخلف رضي الله عن الجميع ,
ومات ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عن الجميع .
أخرج هذه القصة ابن جرير الطبري في " تفسيره " [3] ،
والطبراني في " المعجم الكبير" [4] ،
و الواحدي في " أسباب النزول" [5] ،
كلهم من طريق : معان بن رفاعة عن أبي عبد الملك علي بن يزيد الألهاني
عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي ، ثم ذكروا القصة .
وعلي بن يزيد هذا ، اتفقت كلمة الحفاظ على ضعفه ،
والقصة مروية أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما
وهي ضعيفة الإسناد كسابقتها .
ورُويت عن الحسن رحمه الله وهي مرسلة .
وإليك أخي بعضًا ممن ضعفها من أهل العلم :
1- الإمام ابن حزم .
2- الحافظ البيهقي .
3- الإمام القرطبي .
4- الحافظ الذهبي .
5- الحافظ العراقي .
6- الحافظ الهيثمي .
7- الحافظ ابن حجر .
8- العلامة المناوي . رحمهم الله جميعًا .
9- العلامة الألباني حفظه الله .
- و من أراد التفاصيل في الروايات ومصادر أقوال من سبق من الأئمة فليرجع إلى :
" الشهاب الثاقب في الذب عن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب "
للشيخ أبي أسامة سليم بن عيد الهلالي .
- و أما مخالفتها من ناحية المتن فألخصه في أمرين :
الأول : مخالفتها للقرآن الكريم وللسنة حيث ورد فيهما بقبول توبة التائب ،
مهما كان عمله ما لم تطلع الشمس من مغربها أو يغرغر، والقصة تفيد عكس ذلك تمامًا .
الثاني : مخالفتها للأحاديث الثابتة الواردة في مانع الزكاة حيث جاء الحديث عن رسول الله
أن مانع الزكاة من الإبل والماشية تُؤخذ منه الزكاة ويُؤخذ شطر ماله عقوبة له .
فقد أخرج أحمد، وأبو داود ، والحاكم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
عن رسول الله أنه قال :
( في كل سائمة إبل ، في أربعين بنت لبون، ولا يفرق إبل عن حسابه ،
من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها ومن منعها فإنّا آخذوه ، وشطر ماله ،
عزمة من عزمات ربنا ، ليس لآل محمد منها شيء ) [6] .
و صفوة الكلام : إن تلك القصة باطلة عند العلماء الأعلام لخمسة أمور
اختصارًا لما سقناه من تفصيل ما سبق من كلام :
1- سند الخبر منكر لا يثبت بحال .
2- ثعلبة بن حاطب بدري من الأبرار المغفور لهم عند العزيز الغفار.
3- القصة مخالفة لنصوص الشرع الثابتة الواضحة الدالة على قبول التوبة
ما لم يغرر أو تطلع الشمس من مغربها .
4- القصة متناقضة حيث لم تعط ثعلبة حكم المؤمنين الأبرار
ولا حكم الكافرين الفجار ولا نظير ذلك في الشريعة .
5- مخالفة تلك القصة للتاريخ ففرضية الزكاة كانت في السنة الثانية ،
وسورة التوبة من أواخر ما نزل من القرآن الكريم [7] .
المصادر :
[1] سيرة ابن كثير - ج2 ص244.
[2] الإصابة في تمييز الصحابة -ج1 ص400.
[3] تفسير الطبري: 14 / 370 - رقم 16987.
[4] المعجم الكبير: 8 / 260 - برقم 7873.
[5] أسباب النزول للواحدي: ص252.
[6] قال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي . وحسنه الألباني ،
انظر " إرواء الغليل " 3 / 263 - برقم 791.
[7] ملتقى أهل الحديث .