صحابة و صحابيات
جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه
نسب جابر بن عبد الله وكنيته :
هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي من بني سلمة، يكنى أبا عبد الله .
وأمه نسيبة بنت عقبة بن عدي ، وهي من بني سلمة أيضًا .
و أبوه هو عبد الله بن عمرو بن حرام الصحابي الجليل الذي استشهد في غزوة أُحد .
قصة إسلام جابر بن عبد الله :
كان ممن أسلم مبكرًا ، وهو أحد الستة الذين شهدوا العقبة ،
وذلك حينما لقي رسول الله عند العقبة في الموسم نفرًا من الأنصار، كلهم من الخزرج وهم :
أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس ، وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء ،
ورافع بن مالك بن العجلان ، و قطبة بن عامر بن حديدة ، وعقبة بن عامر بن نابي ،
وجابر بن عبد الله ؛ فدعاهم رسول الله إلى الإسلام ، فأسلموا مبادرة إلى الخير،
ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا إلى الإسلام ، ففشا الإسلام فيها حتى لم تبق دار إلا وقد دخلها الإسلام.
وكان جابر من المكثرين الحفّاظ للسنن ، وكُفّ بصره في آخر عمره .
أثر الرسول في تربية جابر بن عبد الله :
أسلم جابر وأبوه عبد الله - رضي الله عنهما - مبكرين ، و نال جابر من عطف النبي وحنانه الكثير .
ولقد اهتم به النبي اهتمامًا كبيرًا ، و كان يسأله عن حياته و معاشه وأحواله كلها ،
ويوجِّهه دائمًا نحو الخير .
عن جابر قال :
قال رسول الله :
( إذا خطب أحدكم المرأة ،
فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) .
قال : فخطبت جارية من بني سلمة ،
فكنت أختبئ لها تحت الكرب حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها ، فتزوجتها .
وفي البخاري عن جابر بن عبد الله قال :
كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ،
يقول :
( إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل :
اللهم إني أستخيرك بعلمك و أستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ،
فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ،
اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري
- أو قال : عاجل أمري و آجله -
فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ،
وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري
- أو قال : في عاجل أمري و آجله -
فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني به " .
قال : " ويسمِّي حاجته " .)
أهم ملامح شخصية جابر بن عبد الله :
حرصه على الجهاد :
لقد أقبل جابر على الجهاد من أول فرصة واتته للجهاد ، لقد منعه أبوه عبد الله من الخروج إلى بدر وأُحد ،
واستأثر بذلك الخروج لنفسه ، وترك جابرًا الشاب لأخواته الست ،
ولما استشهد أبوه في غزوة أُحد بادر إلى الخروج إلى الجهاد لا تفوته غزوة مع رسول الله ؛
نصرةً لدين الله وإعلاء لكلمته . قال جابر : " غزا رسول الله إحدى وعشرين غزوة ،
غزوت معه تسع عشرة غزوة ، ولم أشهد بدرًا ولا أحدًا، منعني أبي ،
حتى إذا قُتل أبي يوم أُحد لم أتخلف عن غزوة غزاها " .
بعض مواقف جابر بن عبد الله مع الرسول:
عن جابر بن عبد الله قال : لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه أبكي وينهوني عنه ،
والنبي لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة تبكي ،
فقال النبي :
( تبكين أو لا تبكين ، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه ).
وروى البخاري بسنده عن جابر قال : جاء رسول الله يعودني وأنا مريض لا أعقل ،
فتوضأ وصبَّ عليَّ من وضوئه فعقلت ، فقلت : يا رسول الله ، لمن الميراث ؟
إنما يرثني كلالة . فنزلت آية الفرائض .
بعض مواقف جابر بن عبد الله مع الصحابة :
مع أبيه :
في البخاري بسنده عن جابر قال : لما حضر أُحد دعاني أبي من الليل ، فقال :
" ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي ،
وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك غير نفس رسول الله ، فإن عليَّ دينًا فاقضِ واستوصِ بأخواتك خيرًا ".
فأصبحنا فكان أول قتيل ، ودفن معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر،
فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هُنَيَّةً غير أُذُنه .
مع أبي بكر الصديق :
عن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - أنه قال :
دخلت على رسول الله فقال لي :
( يا جابر، لو قد جاءنا مال لحثيت لك ثم حثيت لك ).
قال : فقبض رسول الله قبل أن ينجز لي تلك العدة ، فأتيت أبا بكر فحدثته
فقال أبو بكر: ونحن لو قد جاءنا شيء لحثيت لك ثم حثيت لك ثم حثيت لك .
قال : فأتاه مال فحثي لي حثية ثم حثية ثم قال : ليس عليك فيها صدقة حتى يحول الحول .
قال : فوزنتها فكانت ألفًا وخمسمائة .
مع عبد الله بن أنيس :
عن جابر بن عبد الله قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي سمعه من النبي لم أسمعه منه ،
فسرت شهرًا إليه حتى قدمت الشام فإذا هو عبد الله بن أنيس ، فأرسلت إليه أن جابرًا على الباب ،
فرجع إليَّ الرسول فقال : أجابر بن عبد الله؟ قلت : نعم . فخرج إليَّ فاعتنقني واعتنقته .
قال : قلت : حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله لم أسمعه منه في المظالم ؛
فخشيت أن أموت أو تموت .
قال : سمعت النبي يقول :
( يحشر الناس - أو العباد - عراة غرلاً بهما ، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب :
أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ،
ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى يقتصه منه حتى اللطمة .
قال : وكيف وإنما نأتي عراة غرلاً ؟ قال :" بالحسنات والسيئات ).
مع جابر بن عمير :
عن عطاء أنه رأى جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين -رضي الله عنهما - يرتميان ،
فملَّ أحدهما فجلس ، فقال له صاحبه : كسلت ؟ قال : نعم .
فقال أحدهما للآخر: أما سمعت رسول الله يقول :
( كل شيء ليس من ذكر الله فهو لعب ، إلا أن يكون أربعة :
ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه ،
ومشي الرجل بين الغرضين ، وتعلم الرجل السباحة ) .
بعض مواقف جابر بن عبد الله مع التابعين :
مع سعيد بن الحارث :
قال سعيد بن الحارث : دخلنا على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب واحد ملتحفًا به ،
ورداؤه قريب لو تناوله بلغه ، فلما سلم سألناه عن ذلك ، فقال :
" إنما أفعل هذا ليراني الحمقى أمثالكم، فيفشوا على جابر رخصة رخصها رسول الله " .
ثم قال جابر: " خرجت مع رسول الله في بعض أسفاره ،
فجئته ليلة وهو يصلي في ثوب واحد وعليَّ ثوب واحد فاشتملت به ، ثم قمت إلى جنبه ،
قال :
( يا جابر، ما هذا الاشتمال ؟ إذا صليت وعليك ثوب واحد فإن كان واسعًا فالتحف به ،
وإن كان ضيقًا فأتزر به ) .
بعض الأحاديث التي رواها جابر بن عبد الله عن النبي :
عن جابر بن عبد الله قال :
قال رسول الله :
( أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي :
كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود ،
وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ،
وجعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا ،
فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ،
ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر،
وأعطيت الشفاعة ).
وعن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله الأنصاري
قال : سمعت رسول الله قبل موته بثلاثة أيام يقول :
( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ) .
أثر جابر بن عبد الله في الآخرين :
روى عنه أحاديث النبي أكثر من مائة وعشرين من الصحابة والتابعين؛
فمن من روى عنه من الصحابة :
أنس بن مالك، وعبد الله بن ثعلبة ، ومحمود بن لبيد ، وماعز التميمي ،
ومحمود بن عبد الرحمن التميمي وغيرهم .
وممن روى عنه من التابعين : واسع بن حبان بن قرمز، ومعاذ بن رفاعة بن رافع ،
ويزيد بن صهيب ، والحارث بن رافع ، وغيرهم الكثير .
و كان يعلِّم غيره وينشر ما تعلمه من رسول الله ، وكان أحد المفتين بعد رسول الله ،
وكانت له حلقة في المسجد النبوي ، يعلِّم فيها الناس ويفقههم .
من كلمات جابر بن عبد الله :
قال جابر بن عبد الله :
" ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها ،
ما خلا عمر وابنه عبد الله " .
و قال عندما سمع بموت ابن عباس وصفق بإحدى يديه على الأخرى :
" مات أعلم الناس ، وأحلم الناس ،
ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق " .
وفاة جابر بن عبد الله :
تُوُفِّي جابر بن عبد الله سنة أربع و سبعين ،
وهو ابن أربع وتسعين سنة ، وصلى عليه أبان بن عثمان .