أعطاني زهرة بيضاء .. ورحل بعيداً ..
تاركاً لي تساؤلات عدة ، وبعضاً من الدهشة !
ذلك الرجل الذي لا اعرفه من قبل ..!
بدى وكأنه ذو هيبة ووقار ، عندما رآني أصطحب زوجي قعيد الكرسي المتحرك ، في احد الأسواق بالمدينة ،
لا أنكر سعادتي بتلك الزهرة ، ولكن ...
ما سببها ..؟ ذلك ما كنت أتمنى معرفته ،
لا يمكن أن يكون أعجاباً بي .. فأنا سيدة قد تجاوزت الستين من عمري ..
لملمت حيرتي ودهشتي ، وابتسمت في رضى .. ومضيت مع زوجي ،
وفي أحد الأيام .. اثناء تواجدنا ( انا وزوجي ) في احدى الحفلات الخيرية قابلته ،
نفس الأبتسامه التي بدت على وجهه ! وكأنه يحمل لي رسالة ..
تمالكت شجاعتي وأقتربت منه لأسأله : يا أنتَ ..!
منذ أيام ونحن في سوق المدينة ، قابلتك ..
فأهديتني زهرة بيضاء لونها ، ورحلت ، وسط دهشتني التي لم تمكنني من حق الرفض أو القبول ،
وعندما رأيتك اليوم ، وجدتها فرصه لأسألك عن سبب ذلك ، فلما كان هذا يا أخي ..؟
حدثني وهو مازال محتفظاً بتلك الأبتسامه الهادئة على وجهه
وقال لي : أختاه ..
تلك الزهرة كانت لوفائكِ لذلك الزوج الطيب ، أدام الله حبكما وبارك لكما
فإن لي حكاية كم وددت لو تسمعيها .. إن أردتِ ذلك طبعاً
فقلت : تفضل أخي كل آذاني صاغية
فقال لي : كنت منذ عشرون عاماً أعمل ضابطاً بالجيش المصري
واثناء حرب أكتوبر المجيدة ، أصبت برصاصة استقرت بظهري
فأصبت على أثرها بشلل نصفى ، وقد كنت في تلك الأثناء
مرتبط بفتاة أحبها وتحبني ، وكنا قد اتفقنا على الزواج فور وصولي ..
إلا أن الرياح تأتي دوماً بما لا تشتهي السفن ..
فبدلاً من أأتيها محملاً بأشواقي إليها ..
أتيتها محمولاً على كرسي متحرك !
لا أنكر تأثرها وحزنها في بداية الأمر ، بل وبكائها على ما رأت عيناها الجميلتين ..
وقالت لي : سأظل معك إلى نهاية العمر ، ومعك سأتحمل وأصبر
إلا أن ذهبنا إلى طبيب كبير في البلدة
فصارحني بحقيقة الأمر ،
قال لي : ان موضع الرصاصة حساس جداً ، به الكثير من الأوتار والأعصاب ،
، فإما أن تنجح العملية وتمشي على قدماك ، وإما ..
شلل كلي وعجز كامل عن الحركة ،
أحسست بدوار في رأسي ..
لا أملك القرار بمفردي ، فكيف سيكون حالي وحال تلك المسكينة معي ، إذا ما أصبت بعجز كامل ..؟
فحمدت الله ورضيت بما قسمه الله لي ، ولكنها هي لم ترضى ..
فإختارت الفراق ، وتركتني وحيداً ، مع عجزي ..
ما بين عذابي على فراقها ، وما بين حالي وما أنا فيه ..
حينها قررت أن ألملم نفسي .. و استجمع قوتي واجري العملية ، مهما كانت النتائج
ثم تنهد قائلاً : وشاء ربي السميع الكريم أن تنجح العملية الجراحية ، إلا أن جرحي وصدمتي فيها كانت أعمق بكثير جداً
إلى أن أتتني يوماً بدموعها الكاذبة ، راجية حبي وحناني ..
إلا أنني تعجبت من حالي عندما وجدتني أكثر قوة ، أكثر قسوة ، لم أعد ذلك الولهان بها كما كنت في السابق
حينها نظرتُ إلى عيناها المبللة بدموع التماسيح وقلت :
لن أقبل من لم يتحملني في ضعفي ، ولن أرضى بمن لم تقبل شكلي في مرضي ،
سأبحث عنها إلى أن أجدها .. لكنكِ أبداً لن تكوني لي ...
؛
وما أن أنهى كلامه حتى ابتسمت ، لأنني علمت ما سر تلك الوردة البيضاء ،
فشكرته ودعوت له .. ورحلت ،، |
|
|
|