وهذه تكون بالحكمة البالغة، والإحاطة بالعلوم الكثيرة، بالرغم من أنه قد يكون أُميًّا لا يكتب
ولا يقرأ، كما كان رسول الله محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - فقد أتى بما بهر العقولَ وأذهل
الفِطن؛ من إتقان ما أبان، وإحكام ما أظهر، ولم يتعثر بزلل في قول أو عمل، ولا تزال عجائب دينه
وغرائب علمه لا تنتهي ولا تنفد؛ خلافًا لما أحدث الفلاسفة من آراء سرعان ما انقضت وفنيت.
ومن
فضائل الأقوال:
إحكامه لِما شرع بأظهر دليل، وبيانه بأوضح تعليل، وأن يُنبه بالقليل على الكثير.
ومن
فضائل الأقوال:
حفظ اللسان من تحريف الأقوال، أو استرسال في خبر يكون إلى الكذب منسوبًا وللصدق مُجانبًا
وقد اشتهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصدق والأمانة قبل البعثة وبعدها، ولو أُثر عنه
كذب لكان ذلك حجة عليه، ودليلاً لتكذيب رسالته؛ إلا أنه لم يكذب قط؛ ولذلك لم تكن لهم عليه أية حُجة.
ومن
فضائل الأقوال:
وضوح جوابه إذا سُئل، وقوة حجته إذا جادله أحد، وألا يعتريه عِيٌّ أو فهاهة.
ومن
فضائل الأقوال:
الدعوة إلى التحلي بالفضائل، والتخلي عن النقائص والرذائل؛ كالدعوة إلى مُستحسن الآداب
مثل: صلة الأرحام، والعطف على الأيتام، وحُسن الجوار، ومساعدة المحتاج وغيرها.
ومن
فضائل الأقوال:
فصاحة اللسان، وحُسن البيان، والإيجاز في الكلام، والبلاغة في غير تكلف أو تعسف، وجزالة
اللفظ مع صحة المعنى، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفصح الناس.
ومن أمثلة ما ذكرناه:
1- عن النواس بن سمعان الأنصاري - رضي الله عنه - قال:
سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البر والإثم، فقال:
((البِرُّ حسن الخُلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهتَ أن يطَّلع عليه الناس))؛ رواه مسلم 2553.
2- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
((لا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا، وكونوا عباد الله إخوانًا))؛ رواه مسلم 2563.
3- عن النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
((الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشبَّهات لا يعلمها كثيرٌ من الناس؛ فمن اتقى المشبهات
استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه
ألا وإن لكل ملِك حمًى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمُه، ألا وإن في الجسد مضغةً
إذا صلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))[1].
انظر وتأمل إلى كلامِ مَن أوتي جوامع الكلم - صلى الله عليه وسلم - كيف يوجز
ويفصل ويبين بأجزل عبارة وأبينها، وكيف كان حضُّه على مكارم الأخلاق، وبيانه لأمور
العباد مع رب العباد؛ فصلى الله - عز وجل - على من أرسله رحمة للعالمين.
[1] رواه البخاري 52، ومسلم 1599.
د. محمد بن عبدالسلام