| | |
| | | | | إنها الحياة مع الله في طريقي إليها كنت مشغولة بتجهيز كلمات أواسيها بها عمَّا أصابها من مرض وتعب ونصب، وأرسخ بداخلها بذرة أمل، وأرسم لها أفقًا باسمًا، وحينما طالعت المُحيَّا.. يا ألله كم راقني أن أرى البسمة تعلوه، وكلمات ندية تجلو الأحزان، ما تعبتْ أن تردِّدها فتزداد بهاءً مع كل تنهيدة إعياء، وينشرح البال مع كل تحميدة أحسُّها أُكسجيناً تتنفَّسه، ونسيمًا عليلاً تتنسمه! الحمد لله.. الحمد لله! يا ألله! أوَما زال هناك أناس بهذه الروح العالية لا يَكسرها الألم، بل تراه أملاً جديدًا تجدِّد به صلتها بخالقها، بدأت الحديث - ويا لله ما أعذبه! - وهي تقول - وتشعر وتحس جنات نعيم وشلالاً عذبًا يتدفَّق من قلبها -:
إنه الله يا حبيبة، وحينما يُحبك ملك الملوك فلا تسألي عن النعيم وعن الراحة والبهجة، روح وريحان يجعل روحك تحلِّق بك بعيدًا بعيدًا ثم تعود محملة بالزاد، فلا جوع ولا ظمأ!
ثم بدأت تُعدِّد الأماني...
اندهشتُ: أوَتَملكين هذه الطاقة بعدُ؟!
وكأنما قرأتْ ما يجول ويصول وملامِحي تَفضحُني. فهمستْ: أوَترين هذا العجز وهذه الحالة تَمنعني من أن أسأل الله أن يُعطيني من خير الدنيا والآخرة؟! أوَأجعل الدعاء مقصورًا على شيء واحد فقط؟
لا والله؛ فأنا أسأل الكريم الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
فلي أن أرجوه وأدعوه بأن يُعطيني كذا وكذا وكذا.
ثم أتخيَّل كل هذا حقيقة فأشفى مِن يأسي، وأفرح بالعطاء قبل أن أناله.
وإنَّني والله أسأله سبحانه أشياء قد تبدو للكل مِن المستحيلات.
لكنني أجعلها سرًّا بيني وبينه. ثم اتَّسعت البسمة، وأظهَرت مِن الفرح ما جعل أحلامي تتخلَّص مِن قيدِها وتَنطلِق، وكأنما كانت تتحدَّث لشخص قريب بودٍّ وحنان وهي تردِّد: هو قال سبحانه: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]. أحبُّ أن أناجيَه وأشكو له وحده، فأشعر بقربه وحبه وودِّه مع كل تنهيدة، والقلب ينادي: يا ألله!
فلا والله ما ردَّني، ولا خيَّب رجائي.
تطلَّعتْ إليَّ تفحَص نظراتي المندهشة وأنا أُتابع الأمل وهو يطلُّ مِن عينيها وينبعَث حيًّا باسمًا مِن قلبي المتألم، يتنسَّم حياة جديدة؛ حيث الإيمان بالله الوهاب. أوَليس الحبيب يُحبُّ أن يُناجي حبيبه ويبثَّه أحزانه؟ ما أجمل الأمل حينما يأتي من بعد يأس وقنوط!
وما أجملَ الفرح عندما يباغتك وأنت حزينة!
وما أجمل العودة إلى الله! إنها حياة أخرى، ومن ذاق عرف!
إنني أعود إلى روحي البائسة أُوبِّخها وأعاتبها. انظري: ما قيَّدها اليأس وهي ترى نفسها سجينة غرفة، ممدَّدة على فراش المرض من أشهر على أن تذكر ربها وخالقها، وعلى أن تجدد عهد الحب معه وقد عرفت الطريق إليه؟
إنها قوية بالله، غنية به عمن سواه.
تتسلى بالدعاء والرجاء، فتَزداد رفعة وجمالاً وبهاءً!
تجارة رابحة لن تبور أبدًا.
تحتسب على الله رقدةً طالت، ودمعة سالت، وأيامًا انصرمَت، وشبابًا ظلَّله الشحوب، لكنه يرجو - مثل الورد - النَّدى؛ كي يعود أخضر يانعًا.
أرضُه اليقين والإيمان، وغيثه من كلام الرحمن، متى ما ارتوت أرضه، اهتزَّت وربَتْ وأنبتَت من كلِّ زوج بهيج.
عدت إلى نفسي أحاسبها: أبعْدَ هذا كله تُعطين إشارة مرور لليأس كي يهدمك؟
وطفقتُ أعدِّد ما تمناه قلبي. كلها أماني تبدو بعيدة مثل هذا الأفق الشاهق، أحسستُ بشيء ما يتحدَّى ويتعدى حدود المستحيل ويهمس: إنه الله، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. وانطلقت الأماني فيها بهجة وفرحة: حتمًا سأكون سعيدة بقربه، وسأنتظر الأمل، وانتظار الجميلِ جميلٌ، ولن أكون عاجزة عن الدعاء أبدًا ما حييتُ، سيكون سلاحي وسلوتي ورجائي، وبهجة قلبي حتى يُحقِّق الله لي كل أحلامي، ولن تكون الأحلام حدودها دار فانية، ورحلة قصيرة؛ وإنما دار باقية، وجنة عالية، وقطوف دانية. أحس كأنما طفلة صغيرة تحرَّرت بداخلي من الأَسْر تترنَّم: ما أجمل الحياة حينما يكون الأمل في الله لا تُزعزعه نكبات الدهر، ولكن تجعله يترسَّخ ويزداد ثباتًا ويقينًا، إنها الحياة مع الله!
مع كل عسر يُسران، ومع كل محنة منحة، ومع كل ألم أمل. | | | | | | |
| | |