هبي يا ريح الإيمان - النسمة الثانية: نعم بلا شكر (2)
3. الزوجة:
الزوجة نعمة: حين تودع زوجها كل يوم وهو خارج للسعي
على رزقه وتقول: اتق الله فينا فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.
حين تكون من النوع الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالرحمة فقال: «ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت
وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء»
(صحيح كما في ص ج ص رقم 3493).
حين تقي زوجها السقوط في الفحشاء، وتصرف بصره عن الحرام
في عصر الفتن وتلاطم الشهوات ويسر الخطيئة وبروز العورات.
اشكر النعمة يا رياح!!
تزوج رياح القيسي امرأة فبنى بها، فلما كان من الليل نام ليختبرها،
فقامت ربع الليل ثم نادته: قم يا رياح، فقال: أقوم.
فقامت الربع الثاني، ثم نادته: قم يا رياح، فقال أقوم. ولم يقم،
فقامت الربع الثالث ثم نادته: قم يا رياح، فقال أقوم. ولم يقم،
فقالت: مضى الليل وعسكر المحسنون وأنت نائم،
ليت شعري من غرني بك يا رياح؟! وقامت الربع الباقي.
الزوجة نقمة: حين تدفع زوجها إلى أكل الحرام بتطلعها إلى زينة
الدنيا ومد عينيها إلى ما متع الله به غيرها، فيسرق المسكين ليرضيها،
ويفعل الحرام ليكفيها، ويدخل النار لتستريح!!
4. اللسان:
اللسان نعمة: اللسان هو العضو الوحيد في الإنسان
الذي لا يتعب في الإنسان مهما عمل كثيرا وهذا من فضل الله عز وجل
علينا حتى نزيد من غرسنا في الجنة.
قال رسول الله عليه وسلم:
«من قال سبحان الله العظيم بحمده غرست له نخلة في الجنة»
(صحيح كما في ص ج ص رقم 6429).
وكم من إصبع سيعض ندما في الجنة على النخيل الذي ضاع
من بين يديه، وقد كان بوسعه أن يغرسه بفضل لسانه
ولكنه زهد في نخيل الجنة، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:
«ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت
بهم ولم يذكروا اسم الله عز وجل فيها»
(صحيح كما في ص ج ص رقم 5446).
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا *** ندمت على التفريط في زمن البذر
باللسان تضمن الجنة..
ما أرحم الله بنا!! ما أحلم الله بنا!! ما ألطف الله بنا!!
أعطانا نعمة اللسان ليكفر بها عنا السيئات، ويمحو الخطيئات،
وندخل الجنة، فهلا عرفنا الحكمة من خلق اللسان يا سادة
حتى نعمل بها لا بعكسها؟! وهل يا ترى ستكون أخي القارئ
من القليل الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:
«خصلتان لا يحافظ عليها عبد مسلم إلا دخل الجنة، ألا وهما يسير،
ومن يعمل بهما قليل، يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا،
ويحمده عشرا، ويكبره عشرا، فذلك خمسون ومائة باللسان
وألف في الميزان، ويكبر الله أربعا وثلاثين إذا ذهب إلى مضجعه،
ويحمده ثلاثا وثلاثين، فتلك مائتين وخمسون باللسان
وألفان وخمسمائة في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة
ألفين وخمسمائة سيئة؟!»
(صحيح كما في ص ج ص رقم 3230).
لطيفة..
قال مخلد بن الحسين: ما تكلمت بكلمة أريد أن أعتذر منها منذ خمسين سنة.
والسابقون السابقون..
قص إنسان شارب معروف الكرخي فلم يفتر عن الذكر،
فقال كيف أقص؟!
قال: أنت تعمل وأنا أعمل.
قال حجام لأحد السلف: سكن شفتيك،
قال: قل للزمان حتى يسكن.
كان داوود ابن أبى هند يحدث الفتيان فيقول لهم:
أخبركم لعل بعضكم أن ينتفع به.. كنت وأنا غلام أتردد على السوق
فإذا انقلبت إلى بيتي جعلت على نفسي أن أذكر الله إلى مكان كذا وكذا،
فإذا بلغت ذلك المكان جعلت على نفسي أن أذكر الله كذا وكذا
حتى آتى المنزل.
اللسان نقمة: وقد يكون اللسان نقمة حين يكون سببا
في دخول النار بكلمة قالها أو بلفظ تلفظ بها،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً،
يهوي بها في النار سبعين خريفا»
(صحيح كما في ص ج ص رقم 1618).
هذه الكلمة وإن استخف بها قائلها تعكر الصفو وتغضب الرب
وتجلب السخط، ولهذا لما عيرت السيدة عائشة صفية رضي الله عنهما
بكلمة تعني أنها قصيرة تغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:
«لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته»
(صحيح كما في ص ج ص رقم 5140).
عون من ابن عون!!
ولهذا حرص الصالحون على ملك ألسنتهم لا تودي بهم إلى قعر جهنم وسراديب النار،
فعن خارجة بن مصعب: صحبت ابن عون أربعا وعشرين سنة،
فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة، بل كان ابن عون لا يغضب،
فإذا أغضبه رجل قال له: بارك الله فيك.
ولخطورة أثر اللسان كان الشافعى دائما يردد:
احذر لسانك أيها الإنسان *** لا يلدغنك إنه الثعبان
كم في المقابر من صريع لسانه *** كانت تهاب لقاءه الشجعان
وقد فضل البعض الصمت على الكلام، وفضل بعضهم الكلام على الصمت
لكن الحسن البصري حسم المقارنة بقوله:
"إملاء الخير خير من الصمت، والصمت خير من إملاء الشر".
لطيفة..
اغتاب رجل أخا له إياس بن معاوية المزني قاضي البصرة،
فسأله إياس: أغزوت الروم؟! قال: لا.
قال: أغزوت السند؟! قال: لا.
قال أغزوت الترك؟! قال: لا.
قال: سبحان الله.. سلم منك كل هؤلاء ولم يسلم منك أخوك المسلم!!
5. العين:
العين نعمة: خلق الله العين لتكون إحدى عينين عناهما
النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:
«عينان لا تمسهما النار أبدا، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله»
(صحيح كما جاء في ص ج ص رقم 4113 ).
خلق الله العين لتتفكر بها وتتجول بها في ملكوته،
فيزداد إيمانك وينمو يقينك فيعلو هاتف:
{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَ?ذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
[آل عمران:191].
خلق الله العين لتغض بها بصرك عن الحرام، فتتزوج الحور العين،
هذا هو المهر الذي سماه لك أبو الدرداء فقال:
"من غض بصره عن النظر الحرام تزوج الحور العين حيث أحب".
نظرة أغلى من الذهب..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه،
نظر الله سبحانه وتعالى إليهما نظرة رحمة،
فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من بين أصابعهما»
(ضعيف كما في ضعيف الجامع رقم [1447]).
العين نقمة: حين تطلق على الحرام فتفتح بابا من أبواب النار.
كم نظرة فعلت في قلبِ صاحبها *** كمبلغِ السهمِ بينَ القوسِ والوتر
والعبد ما دام ذا صرف يقلبه *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يَسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحبا بسرورٍ عادَ بالضرر
أخي.. هل هذا الحديث الذي كنت أتمنى أن يكون صحيحا:
«النظرة سهم من سهام إبليس يصيب بها قلب المؤمن،
من تركها مخافة من الله أبدله الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه»
(ضعيف كما في السلسلة الضعيفة رقم [1065]).
لا تتبع النظرة النظرة..
قال ابن القيم:
"النظرة مثل الحبة تلقى في الأرض، فإذا لم يلتفت إليها يبست،
وإن سقيت نبتت، وكذلك النظرة إذا لحقت بمثلها".
خالد أبو شادي
طريق الاسلام