تنبيه حول القصة المنتشرة عن الإمام الشافعي
[ يا يونس تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة واحدة ؟! ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
يُروى أن أحد طلاب اﻹمام الشافعي، اسمه يونس اختلف مع أستاذه اﻹمام الشافعي في مسألة ، فقام الطالب غاضباً .. وترك الدرس .. وذهب إلى بيته ...
فلما أقبل الليل... سمع صوت طرق على باب منزله ..
قال: فلما فتحت الباب، فوجئت بالإمام الشافعي ..
فقال :
يا يونس، تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة
يا يونس، لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات .. فأحيانا "كسب القلوب" أولى من "كسب المواقف"
يا يونس، لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها .. فربما تحتاجها للعودة يوما ما.
اكره "الخطأ" دائماً... ولكن لا تكره "المُخطئ"
وأبغض بكل قلبك "المعصية" لكن سامح وارحم "العاصي"
يا يونس، انتقد "القول" لكن احترم "القائل" فإن مهمتنا هي أن نقضي على "المرض" لا على المريض.
قلنا :
وهذه القصة بهذا التمام والسياق كذب لا أصل
ولم يذكره أحد من المصنفين ولم نقف على أصلها
وإنما قال ابن عساكر في تاريخه :
[أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين قراءة عن أبي عبد الله القضاغي
قال قرأت على أبي عبد الله بن شاكر حدثنا الحسن بن رشيق
حدثنا محمد بن سفيان بن سعيد قال قال لنا يونس بن عبد الأعلى
ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي لو جمعت أمة فجعلت في عقل الشافعي لوسعهم عقله
قال وقال لنا يونس ناظرت الشافعي يوما في مسألة ثم افترقنا
ولقيني فأخذ بيدي ثم قال لي يا أبا موسى لا يستقيم أن نكون
إخوانا وإن لم نتفق في مسألة ]
ومحمد بن سفيان بن سعيد الذي في الإسناد متروك متهم بالكذب
له ترجمة في لسان الميزان
ونقلها الذهبي في السير عنه بهذا السياق ( سطر واحد فقط )
من غير تلك الزيادات الكثيرة مما لا أصل له
وكذلك كل من ينشرها بالسياق المكذوب والزيادات
ممن يسمون بالدكاترة لا يدخلون في الحصر من الدكاترة
وأصحاب الشهادات وفقهم الله !
لم أجد من عزاها منهم لمصدر أو كتاب
وبيان كذب هذه الحكاية الطويلة من وجوه
1- لا يعقل أن تغيب هذه الحكاية عن كل كتب البحث
وكل من ترجم للشافعي من الأئمة وكل كتب السير
ويظفر بها أهل المنتديات وتويتر في آخر الزمان !
2- لم أجد حتى الساعة من عزاها لمصدر ولو كذباً
3- سياق القصة ركيك ضعيف كأنه مختلق بلغة عصرية
4- لم أجد من يستخدم هذه الحكاية بالخير !
بل عامتهم يريد أن يسقط الإنكار والشدة على المخالف مطلقاً
وهذا باطل باتفاق المسلمين
5- ينظر في ترجمة يونس وأنه كان يوقر الشافعي جداً
ولا يرد عليه وبينهما من التوقير وشدة الاحترام ما ينافي ما ورد في هذه القصة
والخلاصة
أن أحدهم قرأ هذا السطر في سير أعلام النبلاء للذهبي الذي في إسناده كذاب
ثم أضاف تلك الزيادات التشويقية ! من كيسه وتلقفها عنه الناس والله أعلم
والحمد لله رب العالمين