تروي كتب التراث العربي،
أنه كان هناك أخوان متحابان تشاركا كل شيء في الحياة، وكانا يرعيان الإبل في واد خصيب، وفي يوم من الأيام عم الجفاف وانتشر فأجدبت البلاد، وقل الزرع، وندر الكلأ أو العشب الأخضر، وكان بجوار بلادهما واد خصيب، مليء بالزرع والشجر والأعشاب، وكانت في ذلك الوادي حية تحميه وتمنع أي أحد من الاقتراب منه أو الرعي فيه.
فقال أحد الأخوين للآخر: يا أخي، لو أني أتيتُ هذا الوادي المكلأ فرعيتُ في إبلي في العشب الأخضر وأصلحت حالها بعدما ضعفت فرد عليه أخوه قائلاً: إني أخاف عليكَ من حية ذلك الوادي! فلا يوجد أحد يذهب إلى ذلك الوادي إلا وأهلكته.
أصر أخوه على النزول إلى وادي الحية وقال: فوالله لأفعلن. فنزل أخوه في ذلك الوادي وأخذ يرعى إبله فيه لفترة من الزمن، ثم قامت الحية بنهشه وقتله. وحزن أخوه عليه حزنًا شديدًا، وقال: لا يوجد في الحياة خير بعد أخي، وأقسم ليطلبن الحية فيقتلها ويثأر لأخيه القتيل، أو ليلحق بأخيه.
هبط الأخ إلى الوادي وبحث عن الحية ليقتلها، فوجدها واقتتلا فقدر عليها، وعندما هم بقتلها انتقامًا لأخيه، قالت له الحية: ألا ترى أني قتلت أخاك؟ قال لها: نعم، وها أنا أثأر له. فقالت له الحية: هل لك في الصلح، وأدعك ترتع في هذا الوادي كيفما شئت، وأعطيك كل يوم دينارًا من ذهب. فقال لها: أوَ فاعلة ذلك أنت؟ فقالت له: نعم. فقال لها: إني فعلت ذلك، وأخذت عليه المواثيق والعهود على ألا يضرّها أبدًا.
أخذ الأخ ينزل الوادي وقتما شاء، ويذهب فيه إلى أي مكان شاء، وحافظت الحية على عهدها وفي كل يوم تعطيه دينارًا، حتى كثر ماله، وعظم جاهه، وكبر سلطانه، وزادت تجارته، وأصبح من أغنى الناس، وأحسنهم حالاً.
وبعد مرور فترة من الزمن تذكر دم أخيه، ولم ينس من قتله، فثار دمه، وعزم على الانتقام له، وقال في نفسه: ماذا ينفعني العيش في هذه الحياة، وأنا انظر إلى قاتل أخي أمامي؟ فأخذ فأسًا بيده، وعزم على قتلها، فقعد لها ينتظرها، وسارت الحية أمامه فتبعها، وقبل أن تدخل جحرها ضربها بالفأس فأخطأها، ودخلت هي الجحر، وأصاب الفأس الجبل فوق ذلك الجحر، وتركت الضربة أثرًا واضحًا على الحجر أمام جحرها.
لما رأت الحية من غدر الرجل قطعت عنه الدينار، فخاف الرجل من الحية وشرها، وندم على ما فعل، وجاء للحية وقال لها: هل نعود ونتواثق من جديد ونعود إلى ما كنا عليه من قبل. وهنا قالت الحية له قولتها الشهيرة: كيف أعاودُكَ وهذا أثرُ فأسِكَ؟
معنى هذه المقولة
وحتى اليوم تقول العرب هذا المثل لمن يعاهدنا، ثم ينسي عهده ويغدر بنا، وكم من شخص أو جماعة أو حتى دولة نقول لهم كيف نعاودك وهذا أثر فأسك، وهذا أثر غدرك واضح، كيف لنا أن نعود لما كنا عليه وقد غدرت بنا، وتجاهلت ما أعطيته من المواثيق والعهود