نفحات من الحج
قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
فمن جملة معاني الحج أنَّه صورة مصغرة عن يوم الجمع الأكبر،كل واحد من الحجيج مشغول بنفسه، يدعو ويذكر ويلبِّي، فالقلوبُ قد تعلقت بخالق الأسباب، والجوارح قد خَضَعت لخالق العباد، والنُّفوس قد سمت في رحاب السماء، والأنظار قد تعلقت برافع السماء، ولسان حال ومقال الكل ينطق: لبيك اللهم لبيك... نعم إخواني، ما أجملك أيها الموقف! وما أحلاه من مشهد.
الحياةُ حياة الدُّنيا، والفسحة فُسحة الأمل، والساعات مَحطات يتأهب من خلالها الحجاج للسفر، والنسيم يدغدغ ويداعب نفوسَهم برياحين عبقة من نفحات ربِّ العزة في يوم الموقف في عرفات، تتلاقى الأرواح وتسمو، وتتجلَّى الرحمات، وتتنَزل الحسنات، ويعمُّ العفو والغُفران، فيا إلهي، يا دائمَ الفضل على البرية، يا باسط اليدين بالعطية، ندعوك وقد أتيناك شُعثًا غبرًا، نَجأر إليك ونهتف باسمك أنْ تعز الإسلام والمسلمين..آمين.
قانون ربَّاني إلهي يُظلل الحجيج بغمامة الرَّحمة، تغشاهم وتُظِلُّهم حيثما توجهوا وساروا، تلك الغمامة توجه إشارات برقية في سماء العالم، وعَبر الأثير مباشرة شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا، وللأبيض وللأسود، والقاصي والدَّاني؛ إنَّه من هنا شعَّ الإسلام، ومن هنا أضاء النورُ العالَمَ، ومن هنا انفلق الصبح وانبلج، من هنا - ومن الصَّفا بالذات - أُعْلِنَت حقوق الإنسان، ومن هنا رُفعت رايات العدل، ومن هنا أعلن النصر للمظلوم والملهوف، ومن هنا أعلنت المساواة بين الناس جميعًا، فالكُلُّ يرتدي الإحرام لباسًا واحدًا، والكل يقف ذليلاً خاضعًا خمس مرات راكعًا ساجدًا لله ربِّ العالمين، فلا عبودية ولا خضوعَ إلاَّ للحي القيوم، أتدرون من الذي أعلن هذا؟ إنَّه محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - إنه الذي بعث للعالمين بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ فلنقلع عن ذنوبنا، ونعود إلى ربنا مُنيبين خاضعين لله ربِّ العالمين