كرم أخلاق عثمان بن طلحة قبل الإسلام :
فهذا عثمان بن طلحة قبل الإسلام و قبل أن يسلم
و هو مشرك كبُر عليه أن تنتقل هذه المرأةُ وحدها
في هذه الصحارى و الفيافي، قال: فأخذ بخطام البعير فانطلق
معي يهوي به، فو اللهِ ما صحبتُ رجلاً من العرب قط أرى أنه أكرم منه،
كان إذا بلغ المنزلَ ؛ مكان الاستراحة أناخ لي ثم استأخر عني حتى إذا نزلتُ
استأخر ببعيري فحطَّ عنه ثم قيَّده في الشجرة، ثم تنحَّى إلى شجرة أخرى
فاضطجع تحتها، أي ينيخ البعيرَ و يبتعد عن البعير حتى أنزل، ثم يأتي فيأخذ
البعيرَ إلى مكان بعيد فينيخه ويريحه، و يستقلُّ شجرةً بعيدةً يستريح تحتها،
فإذا دنا الرَّواحُ قام إلى البعير فقدَّمه و رحَّله ثم استأخر عني
و قال: اركبي، فإذا ركبتُ و استويتُ على بعيري أتى فأخذ بخطامه
فقادني حتى ينزل بي، قال: فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني
المدينةَ، أي تبرَّع في خدمة هذه المرأة و هو مشرك أكثر من خمسة
عشر يوماً و ليلة يقود بعيرَها، و ينيخ البعيرَ، و يستأخر عنها فتنزل،
و يأخذ البعير و ينيخه تحت الشجرة، و يستقِلُّ في شجرة بعيدة، فإذا حان
الرَّواحُ عاد إلى البعير فقدَّمه إلى أم سلمة، و استأخر عنها، فإذا ركبت
و استوت عليه عاد إلى البعير فأخذ بخطامه، و قاده إلى مرحلة أخرى،
فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباءٍ قال: زوجكِ في هذه القرية
و كان أبو سلمةَ بها نازلاً فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعاً
إلى مكة..لكن و اللهِ الذي لا إله إلا هو الذي أعتقده أنا إن رأيتُ عملاً
طيِّباً أخلاقياً، و إن رأيتُ تضحيةً من إنسان لم يهتدِ إلى الله بعد، أنا أشعر
أن هذا الإنسان لا بدَّ له من نهاية طيِّبة، لا بدَّ من أن يتعرَّف إلى الله في
القريب العاجل، لأن هذه الأخلاق أخلاق مؤمنين، أحياناً أنت تواجه مشكلة،
تواجه إنساناً لم يهتد إلى الله بعد، لا يزال شارداً، و لا يزال غيرَ مستقيم،
لكن ترى منه نبلاً، و أخلاقا طيَّبة، و تضحية، و مؤاثرةً، و بذلاً، و كرماً، اِعتقِد
معي جازماً أن هذا الذي يفعل هذه الأفعال الطيِّبة و يكون بهذه المروءة
لا بدَّ من أن تكون له نهاية طيِّبة، لقول النبي عليه الصلاة و السلام:
(( خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا )