هديُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم في قراءة القرآنِ وتدبُّره
كان صلى الله عليه وسلَّم يقرأ بتدبُّرٍ: قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، قال ابنُ القيم: (فلَو علمَ الناسُ ما في قراءةِ القرآنِ بالتدبُّرِ لاشتغلوا بها عن كُلِّ ما سواها) انتهى.
كان صلى الله عليه وسلَّم في قراءته كما قال حذيفة: (يَقْرَأُ *مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بآيَةٍ *فِيهَا *تَسْبِيحٌ *سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ) رواه مسلم، وكما قال عوف بن مالك: (لا يَمُرُّ بِآيَةِ *رَحْمَةٍ *إلاَّ *وَقَفَ *فَسَأَلَ، ولا يَمُرُّ بآيَةِ عَذَابٍ إلاَّ وَقَفَ فَتَعَوَّذَ) رواه أبو داود وصححه الألباني، قال النووي: (فِيهِ *اسْتِحْبَابُ *هَذِهِ *الْأُمُورِ *لِكُلِّ *قَارِئٍ في الصَّلاةِ وغَيْرِهَا) انتهى.
كان صلى الله عليه وسلَّم إذا رأى موقفاً له ارتباطٌ بآيةٍ ذكَرَها لِما في ذلك من عظيم التدبُّر: (قَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الْآيَةَ في آلِ عِمْرَانَ: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)، حَتَّى بَلَغَ: (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ اضْطَجَعَ ثُمَّ قَامَ، *فَخَرَجَ *فَنَظَرَ *إِلَى *السَّمَاءِ فَتَلا هَذِهِ الآيَةَ) الحديث رواه مسلم، وعن عليٍّ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيْلَةً، فَقَالَ: «أَلا تُصَلِّيَانِ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، *فَإِذَا *شَاءَ *أَنْ *يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)) رواه مسلم.
كان صلى الله عليه وسلَّم يُردِّدُ الآيةَ كثيراً تَدبُّراً لها: قال أبو ذرٍ: («قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ *حَتَّى *أَصْبَحَ *يُرَدِّدُهَا» وَالْآيَةُ: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) رواه ابن ماجه وصححه البوصيري.
كان صلى الله عليه وسلَّم تُؤثِّر فيه بعض الآياتِ تأثيراً يظهر على وجهه: (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ، قَالَ: «*شَيَّبَتْنِي *هُودٌ، *وَالوَاقِعَةُ، وَالمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ») رواه الترمذي وصححه الحاكم والذهبي والألباني.
كان صلى الله عليه وسلَّم يُطبِّقُ بعض الآياتِ عَمَلياً: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: *كَانَ *إِذَا *قَرَأَ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى») رواه أبو داود وصححه الحاكم والذهبي والألباني.
كان صلى الله عليه وسلَّم يتفاعلُ مع الاستفهام الذي في الآيات: (كَانَ *رَجُلٌ *يُصَلِّي *فَوْقَ *بَيْتِهِ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى)، قَالَ: «سُبْحَانَكَ»، فَبَكَى، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أبو داود وصححه الحاكم والذهبي والألباني.
كان صلى الله عليه وسلَّم يظهر القرآنُ على أقواله وأفعاله: قال سعدُ ابن هشام لعائشة رضي الله عنها: (يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: «أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ») رواه مسلم، قال النووي: (مَعْنَاهُ *الْعَمَلُ *بِهِ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَالاعْتِبَارُ بِأَمْثَالِهِ وَقَصَصِهِ وَتَدَبُّرُهُ وَحُسْنُ تلاوته
ومن هديه صلى الله عليه وسلم في قراءته للقرآن: بكاؤه حتى يُسمع لصدره صوتٌ كصوتِ غليان القدر: (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي *وَلِصَدْرِهِ *أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ) رواه الإمام أحمد وصححه محققو المسند.
كان صلى الله عليه وسلم يسجد عند مروره بآية سجدة: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ، حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا *مَوْضِعًا *لِمَكَانِ *جَبْهَتِهِ») رواه مسلم.
كان صلى الله عليه وسلم يدعو أصحابه إلى تدبُّر القرآن والعمل به: (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَنَحْنُ نَقْتَرِئُ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ *كِتَابُ *اللَّهِ *وَاحِدٌ، وَفِيكُمُ الأَحْمَرُ وَفِيكُمُ الأَبْيَضُ وَفِيكُمْ الأَسْوَدُ، اقْرَءُوهُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهُ أَقْوَامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَوَّمُ السَّهْمُ، يُتَعَجَّلُ أَجْرُهُ ولا يُتَأَجَّلُهُ») رواه أبو داود وحسنه الألباني.
كان صلى الله عليه وسلم يدعو أصحابه إلى التفاعل مع الآياتِ القرآنية: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا، فَقَالَ: لَقَدْ قَرَأْتُهَا *عَلَى *الجِنِّ *لَيْلَةَ *الجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 13]، قَالُوا: لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الحَمْدُ) رواه الترمذي وحسَّنه الألباني.
كان صلى الله عليه وسلم يطلب من بعض أصحابه قراءة القرآن ليسمعه منهم: فعن ابن مسعود قَالَ: (قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ» قُلْتُ: *آقْرَأُ *عَلَيْكَ *وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى بَلَغْتُ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)، قَالَ: «أَمْسِكْ» فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم: (شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مَا دُمْتُ فِيهِمْ، أَوْ مَا كنت فيهم)