عالم الفلك الدنماركي تيخو براهي
نبذة عن تيخو براهي
عَالِم فَلَك دنماركي، عَمِلَ على تطوير الأدوات الفلكية وقياس مواقع النجوم وتصحيح أخطاء
العُلماء السابقين في قياسها، مما مَهَّد الطريق للعديد من الاكتشافات المُستقبلية.
كانت أرصاده الفلكية الأدق على الإطلاق قبل اختراع التلسكوب، واشتملت على دراسة
شاملة للمجموعة الشمسية، وقياسات دقيقة لمواقع أكثر من 777 نجم ثابت.
بدايات تيخو براهي
وُلِدَ تيخو أوتيسن براهي Tyge Ottesen Brahe في 14 ديسمبر 1546، بقلعة كنوتستورب،
الواقعة على بُعْد ثمان كيلومترات شمال سفالوف والتي كانت تحت الحكم الدنماركي حينها،
ولكنها الآن جزء من السويد. كانت القلعة مقر إقامة لعائلة براهي، واحدة من أكثر العائلات
الأرستقراطية نفوذًا في الدنمارك.
كان أوتي براهي Otte Brahe والد تيخو، من النُّبلاء الأغنياء ذوي النفوذ، وامتلك مساحات
شاسعة من الأراضي.
ووالدته بيات كلاوسداتر Beate Clausdatter، كانت أيضًا من عائلة نبيلة ذات نفوذ. فوالدها
كلاوس بيل Clause Bille كان عضوًا بالمجلس المَلَكِي لكِلا من النرويج والدنمارك،
وهي نفسها كانت عضوةً بالبَلاط المَلَكِي.
كان لدى تيخو أحد عشر شقيقًا، تُوفِّي خمسة منهم قبل البلوغ.
وأصغر أخواته صوفي براهي Sophie Brahe، اشتهرت فيما بَعد بمعرفتها في مجالات الفَلَك
والكيمياء والطب، إلى جانب رعاية الحدائق.
عند بلوغ تيخو الثانية من عُمْره، اختطفه عمه يورجن Jørgen أمير قلعة توستروب؛
ليربيه كابنٍ له، لأنه لم يُرْزَق بأبناء.
ومن العجيب أن والداه لم يحاولا استعادة ابنهم مرةً أخرى،
وظلَّت العائلة مُترابطة بعد هذه الحادثة.
وقد انتفع تيخو من تَبَنِّي عمه له، حيث كانت زوجة عمه إنجر أوكس Inger Oxe من عائلة
مُثقفة واهتمت جدًا بالتحصيل الدراسي، بينما لم يهتم والداه كثيرًا بالتعليم.
عاش تيخو مع والداه بالتَبَنِّي في قلعة توستروب، حتى بلوغه السادسة.
ثُمَّ انتقلت العائلة إلى قلعة فوردينجبورج Vordingborg Castle في عام 1552، حيث التحق
تيخو بمدرسة الكاتدرائية المحلية وحصل على تعليمٍ شامل، وانتهى منه في الثانية عشر
من عُمْره.
في 19 إبريل 1559، التحق تيخو بجامعة كوبنهاجن اللوثرية
Lutheran University of Copenhagen لدراسة القانون، بناءً على رغبة عمه. ودرس علومًا أخرى
إلى جانب القانون، من ضمنها: الرياضيات، والفلسفة، والفيزياء الأرسطية، والعلوم الكونية.
وفي 21 أغسطس 1560، شَهِدَ تيخو كسوفًا كليًا للشمس، مما جذب اهتمامه إلى علوم
الفلك. ومما أثاره بشدة أن الحَدث قد تم توقعه في وقتٍ مُبَكِّر. ولكن التوقيت الخاطئ
أزعجه، مما دفعه لمحاولة تصحيح تلك الأخطاء.
وعلى الفور، اقتنى نُسخةً من التقويم الفَلَكِي ’Ephemerides‘ لعَالم الفلك يوهانس
ستاديوس Johannes Stadius، وبدأ في دراسته. وسُرْعَان ما غَمَر نفسه في دراسة كُتبٍ أخرى
عن علم الفلك، مثل: ’De sphaera mundi‘ ليوهانس دي ساكروبوسكو
Johannes de Sacrobosco، و’Cosmographia seu descriptio totius orbis‘
لبيتروس أبيانوس Petrus Apianus، و’De triangulis omnimodis‘ لريجيومونتانوس
Regiomontanus.
ولكن اهتمامه بعلم الفَلَك أثار قلق والديه بالتَبَنِّي، وبالتالي أخرجوا تيخو ذو الخمسة عشر
ربيعًا من جامعة كوبنهاجن وألحقوه بجامعة لايبزغ Universität Leipzig بألمانيا، في مارس
1562. وهذه المرة أرسلوا معه مُعلمه الخاص أندرس سورينسن فيدل Anders Sørensen Vedel،
البالغ من العُمر 19 عامًا.
ومع أن علم الفلك لم يكُن جزءًا من منهجه الدراسي في لايبزغ، إلا إنه أخذ كتبه معه.
وبرغم محاولات مُعلمه الخاص بإبقائه مشغولاً بدراسة القانون، إلا أن تيخو واصل دراسة علم
الفلك سرًا بالليل.
كما كان يدَّخِر أمواله لشراء الكتب والمعدات الفلكية. وتدريجيًا بدأ في رَصْدِ السماء، وتدوين
الملاحظات. ولكنه لم يتفرَّغ بشكلٍ كاملٍ لعلم الفلك، إلا بعد رَصْدِه لظاهرة اقتران المشترى
وزُحَل في أغسطس 1563.
ووجد أن التوقعات التي وضعها بطليموس Ptolemy وكوبرنيكوس Copernicus لموعد الظاهرة
لم تكن دقيقة، وأدْرَك أنَّهُ لأجل إعطاء توقعاتٍ دقيقة يجب عمل نظام رَصْد أكثر منهجية
ودقة. وفي ذلك الحين، بدأ في تدوين ملاحظاته الفلكية يوميًا بشكل تفصيلي، وبدأ في
دراسة علم الفلك مع بارثولوميو شولتز Bartholomew Schultz.
في مايو 1565، عاد تيخو لموطنه، وتُوفِيَّ والده بالتبنِّي في الشهر التالي.
وبما إنه لم يكُن قد بَلَغ الثامنة عشر من عُمره بَعْد، فقد تولَّى والديه الطبيعيين رعايته.
في عام 1566، ترك موطنه مرةً أخرى ليلتحق لفترةٍ بجامعة فيتنبرغ University of Wittenberg
في 15 إبريل. وهناك دَرَسَ مع الفيزيائي الألماني كاسبر بيوسير Casper Peucer لمدة خمسة
أشهر. ولاحقًا في 24 سبتمبر، انتقل إلى جامعة روستوك Universität Rostock، حيث قُطِع
جزءٍ من أنفه في مبارزةٍ مع أحد زملاءه.
في روستوك شَهِدَ خسوفًا للقمر في 28 أكتوبر 1566، وكسوفًا جزئيًا للشمس في 9 إبريل
1567. وبعد تخرجه من جامعة روستوك في إبريل أيضًا، عاد إلى موطنه ليحصل على أنفٍ
صناعية من النحاس، والتي ارتداها لما تبقى من حياته.
إنجازات تيخو براهي
برغم حرص والده الشديد على انضمامه للخدمة المدنية، إلا أن تيخو أقنعه بالسماح له
بالسفر في رحلةٍ أخرى. وبالتالي عاد تيخو إلى روستوك في يناير 1568، ثُمَّ زار مُدن بازل
وفرايبورج وأوزبورج.
وفي أوزبورج تَعَرَّف على راعٍ له، وبنى مقياسًا هائلاً للزوايا على مقاطعته. برغم دقته
الشديدة، إلا إنه كان ضخمًا جدًا ولم يسمح إلا بإجراء قياسًا واحدًا في الليلة.
كما أنشَأ قبةً سماوية هائلة من الخشب.
عاد تيخو إلى موطنه مع نهاية عام 1570، وتُوفِيَّ والده في مايو 1571.
فاقترح عليه خاله ستين بيل Steen Bille أن يعيش في دير هيريفاد Herrevad Abbey،
والذي كان تحت سيطرته حينها.
مع مساعدات خاله المادية، تَمكَّن تيخو من بناء معملٍ في دير هيريفاد، حيث ابتكر وطوَّر
أساليب صناعة الورق، وبدأ في صناعته. ولاحقًا، سَاعَد في إصلاح الأعمال الزجاجية بالدير.
في مساء 11 نوفمبر 1572، وأثناء خروجه من معمله، لاحَظَ تيخو نجمًا جديدًا في كوكبة
كاسيوبيا أو ذات الكرسي. ولأنه لم يكن متأكدًا، نادى على أحد مُساعديه ليُؤكِّد هذا الأمر،
وغالبًا كانت أخته صوفيا Sophia. وبعد ذلك، قام برصد هذا النجم باستمرار حتى مارس 1574.
ولاحظ أن النجم الجديد يقع وراء القمر، في نطاق النجوم الثابتة. في 1573، نَشَرَ مُلاحظاته
تحت عنوان: ’النجم الجديد De nova stella‘، مُناشدًا العُلماء الآخرين لرَصْدِ هذا النجم.
واليوم يُعْرَف هذا النجم باسم ’مُسْتَعِر تيخو العظيم Tycho’s supernova‘.
اكتشاف تيخو للمُسْتَعِر العظيم جعله أحد روَّاد علم الفلك. في سبتمبر 1574، حصل على
مَنْصِب مُحَاضِر في علم الفلك بجامعة كوبنهاجن، لكنه تخلَّى عن المنصِب في الربيع التالي؛
لأنه بدأ في تَلَقِّي دَخْل سنوي من ممتلكات والده.
بدأ تيخو رحلة عبر عدة مُدن، عقب مغادرته لوظيفته. وأثناء عودته، عَرَضَ عليه الملك فريدريك
King Frederick السيادة على عدة ممتلكات هامة، لكنه رفضها وفَضَّل تكريس وقته لدراسة
علم الفلك، وتَرَاجَع في قراره أخيرًا عندما عَرَضَ عليه الملك جزيرة فين (Ven) الواقعة بمضيق
أوريسند.
أثناء تواجده بجزيرة فين وبمساعداتٍ مادية من الملك فريدريك، تَمَكَّن تيخو من بناء أوَّل
مَرْصَد مُصَمم خصيصًا في أوروبا، وأطْلَق على المبنى اسم قلعة يورانيا ’Castle of Urania‘
أو يورانيبورغ ’Uraniborg‘. وفيما بعد، وجد أن الرياح تُحَرِّك الأدوات المنصوبة على البرج
بسهولة واضطر للبحث عن موقعٍ أكثر ملائمة، فبنى قلعة النجوم بالطابق الأرضي.
واصل تيخو رَصْده للسماء في يورانيبورغ مُحاطًا بالعلماء، وتَمَكَّن من إضافة ملاحظات جديدة
وتصحيح أخطاء في قياسات العلماء السابقين.
كما رَاسَل عدة فلكيين وعلماء في أنحاء أوروبا؛ لسؤالهم عن أعمالهم ومناقشة التطورات
التي توصَّل إليها. لكن العداوة قد نَمَت بينه وبين آخرين.
في عام 1588، تُوفِّيَ راعيه الملك فريدريك، وتضاءل الدعم المادي لأبحاث تيخو؛ بسبب عداوته
مع نُبلاء ذوي نفوذٍ في بَلاط الملك الجديد كريستيان الرابع Christian IV. لكنه واصل العمل
بجزيرة فين حتى عام 1597، وأكْمَل فهرسًا للنجوم يحتوي على مواقع أكثر من 777 نجم.
سافر تيخو في البداية إلى كوبنهاجن بعد مغادرته لجزيرة فين، لكنه وَجَد منزله مُحاطًا بحَشْدٍ
من الغاضبين. ويُعْتَقَد أن خصومه هم من حَرَّضوا هذا الحشد ضده. خوفًا على سلامة عائلته،
انتقل تيخو إلى قلعة صديقه هنريش رانتزو Heinrich Rantzau بالقُرب من مدينة هامبورغ
الألمانية.
عاش هناك حتى عام 1598، ثُمَّ انتقل إلى مدينة فيتنبرغ لفترةٍ قصيرة. وفي نفس العام
1598، نَشَر’أدواتٍ لإحياء علم الفلك Astronomiae instauratae mechanica‘.
في عام 1599، حصل على دعم الإمبراطور الروماني رودولف الثاني Rudolf II، حَاكِم
الإمبراطورية الرومانية المُقدَّسة التي كانت تشمل العديد من دول أوروبا الوسطى،
من ضمنها: ألمانيا والنمسا والمجر.
انتقل تيخو إلى براغ عاصمة الإمبراطورية حينها، ليُصْبِح عَالِم الفلك والرياضيات للإمبراطور.
وهنا انضم إليه العَالِم الألماني يوهانس كيبلر Johannes Kepler كمُسَاعِد. وبالتالي بنى
تيخو مَرْصَدًا جديدًا في بلدة بناتكي ناد جيزرو Benátky nad Jizerou، وواصل أعماله هناك.
عَمِلَ تيخو في مَرْصَده الجديد لمدة عامٍ واحدٍ فقط، ثُمَّ أمر الإمبراطور بعودته إلى براغ.
وهناك عاش حتى وفاته، وعَمِلَ على مجموعة من الجداول الفلكية بناءً على ملاحظاته خلال
ثلاثين عامًا من رَصْد السماء. والتي نشرها كيبلر فيما بعد تحت اسم’الجداول الرودولفية
Rudolphine Tables‘، نسبةً للإمبراطور رودولف الثاني.
أشهر أقوال تيخو براهي
حياة تيخو براهي الشخصية
في عام 1571، تزوَّج تيخو من كرستن يورجنسداتر Kirsten Jørgensdatter، وأنْجَبَا ثمانية أبناء،
عاش منهم ستة فقط.
وبما إنها كانت من أسرة فقيرة، فقد حُرِمَت هي وأبنائها من الميراث بعد وفاة تيخو،
طبقًا للقانون الدنماركي الذي يمنع زواج النُّبلاء من عامة الشعب.
وفاة تيخو براهي
تُوفِّي تيخو براهي في 24 أكتوبر 1601، ودُفِن بإحدى كنائس براغ. وقبل وفاته أوصى
مُساعده كيبلر بإكمال الجداول الرودولفية، مُستعينًا بجداول براهي لرَصْدِ الكواكب بدلاً م
ن نظام كوبرنيكوس.
في عام 2010، تم استخراج جُثمان براهي؛ للتحقق من احتمالية تسممه، ولكن بعد الفحص
تم التأكد من أن موته ناتج عن انفجار المثانة.
حقائق سريعة عن تيخو براهي
•كان براهي آخر العلماء الذين رصدوا السماء بالعين المُجردة؛ لأنه تم ابتكار أوَّل تلسكوب
بعد موته بسبعِ سنواتٍ فقط.
•في التاسعة عشر من عُمْره، فَقَدَ براهي مُقَدِّمة أنفه في مبارزة مع أحد زملائه، ووضع
مكانها أنفًا صناعية من المعدن طوال حياته.
•يُشَاع أن براهي كان حاكمًا قمعيًا لجزيرة فين، وأن سُكان الجزيرة كانوا يكرهونه بشدة.
•تم زعم أن براهي قُتِلَ مسمومًا، ولكن بعد فحص جثمانه في عام 2010، أشارت النتائج إلى
أنه مات نتيجة انفجار المثانة.
•تم إطلاق اسم تيخو براهي على فوهة بالقمر، وأخرى بكوكب المريخ.
•استعان كيبلر بأرصاد براهي في استنباط قوانينه عن حركة الكواكب، ولدَعْمِ نموذجه
للمجموعة الشمسية والذي يتخذ من الشمس مركزًا للمجموعة |
|
|
|