طعام وشراب الرسول صلى الله عليه وسلم
ليس الطعام غاية بذاته، بل هو وسيلة لتلبية حاجات الجسم، كي يستمر
في أداء مهمته في هذه الحياة، ومن هنا كان تناول الأطعمة بقدر الحاجاتيمنع
ضروريًا على تكرار الأوقات.
الرغم من كون الطعام ضرورة وحاجة، فإن الإسلام لم يترك للإنسانيمنع
تناوله كما يريد، فعلَ الحيوان، بل جعل له دائرة الحلال يتناول منها،يمنع
لتناوله آدابًا يلتزم بها.. وبهذا ترتقي الضرورة والحاجة لتصبح عبادة، تنفذيمنع
أوامر الشرع في هذا الجانب من جوانب الحياة.
الطعام الطيب:يمنع
أخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يمنع
«أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به
المرسلين،يمنعفقال: ﴿يمنعيَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَايمنع
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌيمنع﴾يمنع[المؤمنون: 51]يمنعوقال: ﴿يمنعيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ
مَا رَزَقْنَاكُمْيمنع﴾يمنع[البقرة: 172]». ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبريمنع
يمد يديه إلى السماء، يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام،
وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟»[1].
والحديث الشريف يذكر صفتين لا بد منهما حتى يكون الطعام طيبًا.
1 -يمنعأن يكون الطعام حلالًا، أي من دائرة ما أباح الله تناوله، ولا خلاف بينيمنع
المفسرين أنيمنعقول تعالى: ﴿يمنعكُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِيمنع﴾يمنعأن معنى الطيبات: الحلال.
2 -يمنعأن يحصل عليه الإنسان بطريق مشروع، شراء بمال حلال، أو هبة..يمنع
وهو ما تشير إليه الفقرة الأخيرة من الحديث، فالذي أكل من حرام..يمنع
لا يستجاب دعاؤه.
وهكذا يدخل الطعام في تحديد علاقة الإنسان بخالقه تعالى، في قبول
دعائه أو رده.
سيرته صلى الله عليه وسلم بشأن الطعام:يمنع
قال ابن القيم: «كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام: لا يرديمنع
موجودًا، ولا يتكلف مفقودًا، فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافه نفسه، فيتركه من غير تحريم..
وأكل الحلوى والعسل، وكان يحبهما، وأكل لحم الجزور، والضأن،يمنع
والدجاج، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرطب والتمر.
وشرب اللبن خالصًا ومشوبًا، والسويق، والعسل بالماء، وشرب نقيع التمر،
وأكل القثاء بالرطب. وأكل التمر بالزبد وكان يحبه.
وكان معظم مطعمه يوضع على الأرض في السفرة، وهي كانت مائدته.
وكان أكثر شربه قاعدًا، بل زجر عن الشرب قائمًا، وشرب مرة قائمًا.
وكان إذا شرب ناول من على يمينه، وإن كان من على يساره أكبر منه»[2].
ذكر طرف من معيشته صلى الله عليه وسلم:يمنع
هذي بعض الأحاديث التي تلقي لنا الضوء على معيشته صلى الله عليه وسلم، وكيف أنه لم يمتلئ جوفه شبعًا قط:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت:يمنعما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلميمنع
منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعًا حتى قبض[3].
وعنها أنها قالت لعروة: «ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال،يمنع
ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلميمنع
نار، فقلت: يا خالة: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه
قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح[4]، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها، فيسقينا»[5].
وعن أبي هريرة: أنه مرَّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية[6]، فدعوه، فأبى أن
يأكل، وقال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا، ولم يشبعيمنع
من خبز الشعير»[7].
وقالت عائشة: «لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبزيمنع
وزيت في يوم واحد مرتين»[8].
وعن النعمان بن بشير قال: «لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد
من الدقل[9] ما يملأ به بطنه»يمنع[10].
وعن أنس قال: «ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم، رأى رغيفًا مرققًا، حتى
لحق بالله، ولا رأى شاة سميطًا[11] بعينه قط»[12].
تلك كانت معيشته صلى الله عليه وسلم، ولعل معظم المهاجرين كانت
حياتهم قريبًا من ذلك، وبعد أن فتحت خيبر، وسع الله فيها على المسلمين.
ولكن عيشته صلى الله عليه وسلم استمرت على ما كانت عليه، الأمر الذي
دعا زوجاته - أمهات المؤمنين - للمطالبة بشيء من التوسعة، ونزلت بسببيمنع
ذلك آيات التخيير[13]. ثم بقيت الحال على ما كانت.
[1] أخرجه مسلم برقم (1015) ومعنى يطيل السفر: أي في فعل العبادات كالحج، وصلة الرحم وغير ذلك.يمنع
[2] زاد المعاد (1 /147 – 150).يمنع
[3] متفق عليه (خ 5416، م 2970).يمنع
[4] منائح: هي الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلًا يشرب لبنها، ثم يردها إذا انقطع لبنها، ثم أطلق على كل عطاء.يمنع
[5] متفق عليه (خ 2567، م 2972).
[6] مصلية: أي مشوية.يمنع
[7] أخرجه البخاري (5414).يمنع
[8] أخرجه مسلم (2974).يمنع
[9] الدقل: رديء التمر ويابسه.يمنع
[10] أخرجه مسلم (2977).
[11] سميطًا: هي التي يزال شعرها بالماء المسخن ثم تشوى بجلدها أو تطبخ، وتكون في الصغير الطري.يمنع
[12] أخرجه البخاري (5421).
[13] انظر تفصيل حادثة التخيير في «من معين السيرة» ص (465 – 475) |
|
|
|