عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن رجلًا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثناياه، فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، اذهب لا دية لك".
قوله: (أن رجلًا عض) الحديث، في حديث أبي يعلى بن أمية: خرجت في غزوة فعض رجل فانتزع ثنيته، فأبطلها النبي - صلى الله عليه وسلم.
قوله: (فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية: أبي يعلى فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ: والمراد يعلى وأجيره ومن انضم إليهما ممن يلوذ بهما أو بأحدهما[1].
قوله: (فقال: (يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل")؛ أي الذكر من الإبل ويطلق على غيره من ذكور الدواب.
قوله: (اذهَب لا دية لك)، في رواية: فأبطله، وقال: "أردت أن تأكل لحمه"، ولمسلم فقال: "ما تأمرني أتامرني أن آمره أن يدع يده في فيك تقضمها قضم الفحل، ادفَع يدك حتى يقضمها، ثم انزعها"، وعند أبي نعيم: "إن شئت أمرناه فعض يدك، ثم انتزعها أنت"، وفي حديث يعلى بن أمية: فأهدرها.
قال الحافظ: (وقد أخذ بظاهر هذه القصة الجمهور فقالوا: لا يلزم المعضوض قصاص ولا دية؛ لأنه في حكم الصائل، واحتجوا أيضًا بالإجماع بأن من شهر على آخر سلاحًا ليقتله، فدفع عن نفسه فقتَل الشاهر، أنه لا شيء عليه، فكذا لا يضمن سنه بدفعه إياه عنها، قالوا: ولو جرحه المعضوض في موضع آخر، لم يلزمه شيء، وشرط الإهدار أن يتألم المعضوض، وألا يُمكنه تخليص يده بغير ذلك من ضرب في شدقيه أو فك لحييه ليرسلها، ومهما أمكن التخليص بدون ذلك فعدل عنه إلى الأثقل، لم يهدر، قال: وقد قال يحيى بن عمر لو بلغ مالكًا هذا الحديث، لما خالفه، وكذا قال ابن بطال: لم يقع هذا الحديث لمالك وإلا لَما خالفه، قال: وفي هذه القصة من الفوائد التحذير من الغضب، وأن من وقع له ينبغي له أن يكظمه ما استطاع؛ لأنه أدى إلى سقوط ثنية الغضبان؛ لأن يعلى غضب من أجيره، فضربه فدفع الأجير عن نفسه، فعضَّه يعلى فنزع يده، فسقطت ثنية العاض، ولولا الاسترسال مع الغضب لسلم من ذلك، وفيه استئجار الحر للخدمة، وكفاية مؤنة العمل في الغزو لا ليقاتل، وفيه رفع الجناية إلى الحاكم من أجل الفصل، وأن المرء لا يقتص لنفسه، وأن المتعدي بالجناية يسقط ما ثبت له قبلها من جناية إذا ترتبت الثانية على الأولى، وفيه جواز تشبيه فعل الآدمي بفعل البهيمة إذا وقع في مقام التنفير عن مثل ذلك الفعل، وفيه دفع الصائل، وأنه إذا لم يمكن الخلاص منه إلا بجناية على نفسه أو على بعض أعضائه، ففعل به ذلك، كان هدرًا، وللعلماء في ذلك اختلاف وتفصيل معروف، وفيه أن من وقع له أمر يأنفه أو يحتشم من نسبته إليه إذا حكاه، كنَّى عن نفسه بأن يقول: فعل رجل أو إنسان، أو نحو ذلك كذا وكذا، كما وقع ليعلى في هذه القصة، وكما وقع لعائشة؛ حيث قالت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من نسائه، فقال لها عروة: هل هي إلا أنت فتبسمت)[2]
[1] فتح الباري: (12/ 221).
[2] فتح الباري: (12/ 222).
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك |
|
|
|