البكاء سيكولوجية مؤلمة يمر بها كل إنسان فى مختلف مراحل العمر صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً كان أو أنثى، غنياً كان أو فقيراً .
والحقيقة التي لا شك فيها أن البكاء آية من آيات الله عز وجل في النفس البشرية مثله تماماً مثل الحياة والموت فهو القائل سبحانه و تعالى :
( و أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى) سورة النجم .
فهو سبحانه الذى خلق البكاء وسبب دواعيه ، وجعله ظاهرة نفسية عامة ومشتركة لدى جميع البشر
فالبكاء لغة عالمية لا تختلف باختلاف الألسن أو الثقافات أو البيئات، فالجميع يبكون بنفس الطريقة ولنفس الأسباب وهو غالبا ما يكون البكاء مصحوباً بانهمار الدموع من العيون .
لماذا نبكى ؟ !!!!!....
يرتبط البكاء غالباً بالضعف وهما متلازمان سواء كان الضعف مرضاً أو وفاة عزيز أو أزمة أو غير ذلك لأن البكاء في أصله استغاثة، فالصغير عندما يبكى ويرتفع صوته ويجهش فإنه يستغيث، وينجح في أن يحرك فى الأم مشاعر العواطف و الأمومة فتهرع لحمايته .
والإنسان عندما يبكى فهو يعبر عن ضعفه واحتياجه إلى الأمان والراحة فلا يجد غير البكاء و الدموع تنفيساً عما يعانيه من ألامه النفسية وضغوط العصبية .
أشكال و أنواع وصور البكاء .
ومن الصعب الإحاطة بجميع أشكال وصور البكاء لدى جميع البشر، فالبكاء ظاهرة نفسية تتنوع مظاهرها وأسبابها ووظائفها بتنوع واختلاف نفسيات البشر ذاتهم، ومن الصور الشائعة لأنواع البكاء هي :ــــــــ
أولا : بكاء الأطفال :
الأطفال أكثر المخلوقات بكاء .. والبكاء لدى الطفل وظائف و له ومسببات عديدة فالطفل يستخدم البكاء كوسيلة للتعبير عن احتياجاته أو خوفه أو مرضه فإذا شعر بالجوع بكى طلباً للطعام وإذا شعر بالبرد بكى طلباً للدف، وإذا شعر بالألم أو المرض بكى تعبيراً عن ألمه ومرضه وإذا أزعجه شي أو خاف من شي أو شخص ما بكى خوفاً و إذا شعر بغياب أمه أو انشغالها عنه بكى طلباً لعطفها وجذباً لاهتمامها واستدراراً لحنانها ورعايتها .
تانيا بكاء الضعف والخوف :
البكاء والضعف متلازمان والإنسان عندما يبكى فإنه يعبر عن ضعفه وقلة حيلته وحاجته إلى الحماية وغالبا ما يكون البكاء في حالات الضعف و اليأس وفى الأزمات غير أن حالات الضعف تشجع عليه أكثر . ،
ثالتا بكاء الشفقة والرحمة :
وهذا النوع من البكاء يشيع بين رقيقي القلوب غزيري المروءة سريعي التأثر بمن حولهم فعندما نرى طفلاً صغيراً مريضاً أو عاجزاً فإننا قد نبكى شفقة ورحمة عليه ، بل إن بعض الناس ليبكون تأثراً وشفقة لمجرد رؤية حيوان يتألم أو طائر حبيس .
ويدخل في ذلك أيضاً بكاء الإنسان شفقة ورحمة على ذويه وأصدقاؤه وغيرهم عندما يصابون بسوء أو يكونون في موقف ضعف نتيجة مرض أو فاقة أو مصيبة أو غيرها .
رابعا بكاء المحبين والعاشقين :
البكاء لدى العاشقين وسيلة هامة في التخفيف عما يلاقونه من نار العشق و الشوق، وخوف الفراق أو العوازل الذي تنفطر له جوارح القلب وهو نوع من التفريج النفسي لما يعانوه من ألم الحب والخوف على المحبوب .
ويصور ابن حزم حال العشاق و المحبين مع البكاء في قصيدة له يقول فيها :
دليل الأسى نار على القلب تلفح
ودمع على الخدين يحمى ويسفح
إذا كتم المشغوف سر ضلوعـــــه
فإن دموع العين تبدى وتفضـــــح
إذا ما جفون العين سالت شئونها
ففي القـلب داء للغـرام مبـــــــــرح
وما أبلغ قول الشاعر تعبيراً عن حالة البكاء التي تنتاب العاشقين حين يقول :
فما في الأرض أشقى من محب
وإن وجد الهوى حـلو المذاق
تـراه باكيـاً في كل حـيــــــــــــن
مخـافة فرقـة أو لاشـتيـــــــــاق
فيبـكى إن نأوا شـوقـاً إليهــــــم
ويبكى إن دنـوا خوف الـــــفراق
فتسـخـن عينه عند الفــ..ــــــراق
وتسـخـن عينه عند التلاقــــــــي
خامسا بكاء الفرح :
من العجيب أن يقترن الفرح بالبكاء والسعادة بالدموع ولكنها حكمة الله الذي أضحك وأبكى أن تكون الدموع في هذه الحالة استثناء يدل على الفرح والسرور لا على الحزن واليأس فسبحان من بيده مفاتيح السعادة والشقاء، وأسباب الضحك والبكاء .
فالبكاء ليس دائماً قرين الحزن واليأس وإنما هناك نوع من البكاء لا يظهر إلا فى حالات الفرح الشديدة وهو ما يسمونه ( دموع الفرح) فكثير من الناس عندما يمر بخبر سعيد أو فرحة غامرة لا يجد ما يعبر به عن هذه السعادة سوى البكاء .
سادسا : بكاء الخديعة والكذب :
في بعض الأحيان ليس البكاء دائماً صادقاً أو نابعاً من عاطفة نبيلة فهناك بكاء كاذب غرضه الخداع وإيهام الناس بما يخالف الحقيقة وما أبلغ تصوير القرآن الكريم لهذا النوع من البكاء فى قصة سيدنا يوسف عليه السلام و إخوته حيث يقول عز وجل مخبراً عن ذلك :
( و جَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ ) (16) سورة يوسف .
فهم يبكون تصنعاً ليوهموا أباهم بما دبروه من مكيدة لا أخوهم هذا نوع من الكذب لا يصدر عن عاطفة حقيقية وإنما هدفه الخداع و التضليل وهذا البكاء الخادع قد ينطلي على كثير من الناس فيصدقونه ويتعاطفون مع صاحبه .
سابعا البكاء من خشية الله :
هو أفضل أنواع البكاء وأكرمها على الله عز وجل ما كان من خشيته وخشوعاً لآياته وخضوعاً لقدرته تبارك وتعالى، وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على الباكين من خشيته الخاشعين له، يقول عز وجل :
( وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) (109) الإسراء .
وقوله تعالى أيضا :
( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) مريم (58)
فما أعظمه من بكاء وما أجلها من دموع تلك التي تعلن صراحة الخشوع لله والخضوع له والمسكنة إليه رغباً ورهباً وشوقاً وحبا .
ثامنا بكاء الندم :
بكاء الندم أشد أنواع البكاء مرارة وقسوة على النفس فهو اعتراف بالعجز والذنب والتقصير وظلم النفس أو الغير، فالعبد المذنب عندما يتوب يبكى ندماً على ذنبه بل إن الفقهاء جعلوا البكاء ندماً دليلاً على صحة التوبة وقبولها واعتبروا جمود العين دليلاً على عدم الصدق في التوبة .
وعادة ما يندم الإنسان كثيراً في حياته فهو يندم على ما فعله من أمور كان يجب ألا يفعلها ويندم على ما لم يفعله من أمور كان يجب عليه فعلها وهو يندم على ضياع الفرص من بين يديه هباءً ويندم على ضياع عمره منه بلا طائل ويندم على فعل السيئات كما يندم على فعل المعروف في غير أهله وهو يعبر عن كل هذا بالبكاء ودموعه هنا هي دليل الندم .
وهكذا نعرف أن للبكاء صور عديدة ووظائف كثيرة، وأنه غالباً ما يكون نوعاً من التنفيس والتفريج عن النفس المثقلة بهموم القلب المفعم بالأسى، فدموع الإنسان راحة لقلبه وسكن لنفسه وترويح عن أعصابه والبكاء وسيلة فعالة لاستعادة الإنسان لهدوئه واتزانه النفسي
فسبحان من جعل من البكاء نعمة، ومن الدموع شفاء وما أجمل قول الشاعر عن تقلب الإنسان ما بين الضحك والبكاء حين قال :
ولدتـك أمك يا ابن آدم باكيــــــاً
والناس حولك يضحكون سروراً ..
فاعمل ليوم أن تكون إذا بكـــــوا
في يوم موتك ضاحكاً مســـــــورا ..
وأخـيراً .. أبكـوا تصـحـوا !!!!