معركة الحياة كيف نفوز فيها
أهم نقطة يتركز عليها النجاح الإرادة القوية، التي يصحبها التنفيذ السريع، وانتهاز الفرص؛
أَلمْ يقولوايمنع إنَّ الحَرْبَ جِهَادٌيمنع وبعبارة أخرى الحَيَاةُ حَرْبٌ !؟
و خير محارب من هاجم ولم يقتصر على الدفاع، وعَمِل ولم يقتصر على الحذر،
ومتى سنحت له فرصة أقدم فانتهزها، ولم يتوان لحظة حتى لا يُضَيِّعَها.
ثم هو يسدد الرمي، ويحكم إصابة المرمى، ولا بَأْسَ من الفشل؛ فإنما يفشل؛ لينجح.
إذا أنت أكثرت من التردد، وبالغت في الحذر، ولم تقدم على عمل حتى تثق من نجاحه مائة في المائة فقد تصلح أن تكون أديباً حالماً، أو فيلسوفاً في الخيال سابحاً،
ولكن لا تصلح أن تكون رَبَّ عملٍ ناجحاً.
فليس يكسب المعركةَ القائدُ الجبانُ، ولا القائدُ الحذرُ، ولا القائدُ الذي لا يريد أن يضحي بشيء من جنوده.
وإنما يكسبها من يفكر حسب طاقته، ولا يطيل التفكير أكثر مما يلزم، ثم يضرب الضربة في حينها، وهو يغلب النجاح وإن كان لا يتأكده،
فإن فشل بعد ذلك فقد أدى واجبه.
الأخلاق الحديثة
إن الأخلاق الحديثة تفضل فعل الأمر على فعل النهي فاصدق خير من لا تكذب و اعدل خير من لا تظلم.
والأمر بعمل الفضيلة خير من النهي عن الرذيلة؛ لأَنَّ في الأولى عملاً ووجوداً وحياة، وفي الثانية تركاً وعدماً وموتاً.
كل شيء في الحياة يجاهد، الجسم يجاهد المكروبات حوله وفيه،
والصحة لا تعتمد على الوقاية وحدها، وإنما خير من الوقاية الحيوية بالرياضة والعمل والحركة والنشاط وما إلى ذلك.
وإنما يعتمد على الوقاية، والسكون، وقلة الحركة والسير الدقيق على طرق العلاج _
المرضى في أَسِرَّتِهم، والمرضى في المستشفيات، أَمَّا الأَصِحَاء فيعتمدون قليلاً على الوقاية، وكثيراً على الحيوية والعمل.
والعقل يجاهد الأفكار السقيمة، والخيالات السامة، وخير وسيلة للتغلب عليها حيويته، ونشاطه، وتفكيره المنتج، لا خنوعه واستسلامه.
وهكذا كل شيء في الحياة جهاد، والجهاد الصحيح يعتمد على الإرادة الصحيحة، والتجارب الدائمة، والعمل المستمر.
إن العالم مملوء بالحيوية، وهو في حركة دائمة، ونشاط مستمر، وقُوىً متفاعلة أبداً، من كهرباء وقوى ذرية، وحرارة وبرودة، ورياح وعواصف، ونحو ذلك.
فالذي ينجح في هذا العالمِ المتحركِ النشيطِ إنما هو مَن انسجم معه بالعمل والقوة والحيوية، ولذلك كان السكون التام موتاً.
القُوى المعنوية
وبجانب هذه القوى المادية في الحياة قُوى معنوية هي الأخرى في حركة مستمرة وجهاد دائم، كالنظام وعدمه، والجهل والعلم، والرأي العام وقوته وضعفه، والعدل والظلم،
واختلاف رغبات الناس في التزاحم على كسب الخير لأنفسهم.
ولابُدَّ للنجاح في الحياة من تحديد موقف الإنسان أمام هذه القوى المادية والقوى المعنوية،
فأَمام القوى المادية لابُدَّ أنْ يعرف كيف يستخدمها في مصلحته، ويسايرها ولا يعاكسها،
فالكهرباء قد تصعقه إذا هو لم يعرف استخدامها، ولكنه يستطيع أنْ يَسْتَنِير بها ويَسْتَدْفِئ بها، ويُسيِّر القطارات بها إذا هو أحسن استخدامها،
وكذلك كل قوة من القوى الطبيعية.
وفي القوى المعنوية يجب أن يحدد موقفه أمام التيارات المختلفة للنظم الاجتماعية، فينغمس فيها، ويكون هو نفسه قوة معها،
يُصْلِحها ما استطاع، ويستخدمها في خيره وخير الناس ما استطاع.
وكلما كان الإنسان أقوى جسماً وعقلاً وخُلُقَاً كان أقدر على الانتفاع بالقوى المادية والروحية؛
فالإنسان استطاع أن يلجم الفرس ويركبه ويوجهه في خدمته؛ لأنه أكبر منه نفساً وعقلاً؛
فكذلك هو يستطيع وسط الظروف الاجتماعية المتضاربة، أن يصرفها ويستغلها للخير الخاص والخير العام،
فإذا خمل أو كسل أو أفلت زمام الأمور من يده لم يستطع نجاحاً، وساقته الظروف أكثر ما يسوقها هو.
فالإنسان إنما ينجح بتقوية ملكاته الداخلية، وعلمه بالقوى الطبيعية والاجتماعية التي حوله، ثم بانسجامه معها، ومعرفته كيف يستخدمها.
وإن شئت فاستعرض كل من نجح في الحياة نجاحاً حقيقياً تَجِدْ نجاحه بمقدار تطبيقه هذه القاعدة، ولو لم يحسن التعبير عنها.
الأمم كالأفراد
ثم شأن الأمم والحكومات شأن الأفراد؛ فلكل أمة قواها الطبيعية التي حولها، وقواها المعنوية التي تحيط بها.
فالأمة الفاشلة هي التي تكون في أرضها معادن لا تعرف كيف تستغلها، وقوى مائية لا تعرف أن تنتفع بها، وأراض زراعية لا تعرف كيف تستخرج منها أغزر ما تنتج وهكذا،
ثم حولها ظروف اجتماعية ترتبك في توجيهها، وتحار في التصرف فيها، ليس لها إرادة قوية في التنفيذ، ولا رغبة صادقة في الإصلاح،
تسيرها القوى الطبيعية كالريشة في الهواء، وتسيرها القوى الاجتماعية حيثما اتفق،
ليست هي إنساناً يمسك بزمام فرسه، ولكنها فرس ملجمة تقاد.
أَمَّا الأمة الناجحة فكالرجل الناجح يدرس قوى الطبيعة، ويعرف أنها لا تتغير ولا تتبدل، ولكنه كالمَلاَّح الماهر يعرف متى ينشر شراعه ومتى يطويه،
وكيف يسير سفينته وإلى أي اتجاه، يعرف أنه لا قدرة له على تغيير الرياح، ولكن له قدرة على استخدامها في مصلحة سفينته.
كذلك هذا شأن الأمة الناجحة مع القوى الاجتماعية؛
ترى الفوضى فتنظمها، وترى الرأي العام ضعيفاً فتقويه، وترى الأضرار من بطء الآلة الحكومية فتجددها، وترى ظلماً هنا وظلماً هناك فتمحوه بالعدل،
ولا تكتفي بالوقاية وعلاج الأمراض، بل تبعث في الأمة الحيوية والنشاط، وهكذا قانون الفرد، وقانون الأمة في النجاح والفشل واحد.
فكِّر، واعمل، وابتكر، وجاهد، وغامر، وانتهز الفرصة تنجحْ، وإلا فالموت أو شبهه |
|
|
|