....الشخصيه الاجراميه
جبلت المخلوقات التي تعيش في مجموعات على التآزر للمحافظة على فصيلتها وتحترم الضوابط المنظمة لمختلف نشاطاتها، إلا أن الإنسان قادر على تجاوز كل القواعد بل يستطيع توظيف ذكائه ومهاراته لخرق القوانين وتسخير اختراعاته لتدمير بني جنسه؛ فما هي يا ترى الأسباب الجوهرية التي تجعل الإنسان معتدياً على ذويه، مجرماً في حقهم؟
توفر الإنسان على ملكة الاختيار وتوجيه سلوكه وفق قناعاته ورغباته وكذلك اندفاعاته، يجعله من أعجب وأعقد المخلوقات لتمكنه من ارتكاب سلوكيات يعلم عواقبها ولا يثنيه وازع عن فعل ذلك إلا إرادته الذاتية.
إلا أنه ينبغي التمييز بين المخطئ الذي يتراجع سريعاً عن زلاته ويتعلم منها، والمنحرف الذي يستسيغ انتهاكاته للضوابط ويعتدي على حقوق الناس، أما المجرم فيبرر عدوانيته ويصرّ عليها ويجعلها منهجاً لنمط حياته.
تنمو الشخصية الإجرامية في أرضية الاختلالات البنيوية أثناء مرحلة الطفولة، حيث تبرز لدى الطفل أعراض السلوكيات العدوانية والتلذذ بإيذاء الأحياء والوحشية في التصرفات خصوصا نحو الحيوان، والاندفاعات العصبية العنيفة التي تهدأ بإحداث ضرر أو تخريب. أما العناصر المتعلقة بالبيئة الأسرية السلبية التي تحفز العدوانية وتدعمها، فتتلخص في اضطهاد الطفل جسدياً ومعنوياً، واستغلاله وكذلك إهماله؛ كما أن الجهل والفقر وغياب مؤشرات الأمان والسلامة المجتمعية ترسخ مشاعر العداوة والكراهية والضغينة بين الأفراد.
عندما تعجز المؤسسات المجتمعية عن احتواء صعوبات الشباب وتفشل في تأطيرهم ودمجهم ضمن برامج تستقطب ميولاتهم وتنمي مهاراتهم وتوجه حيويتهم ونشاطهم نحو أهداف ارتقائية، تظهر الانحرافات وتنشأ التجمعات المهمشة التي تشكل خطراً على السلامة العامة.
يسعى المراهق المنحرف لإثبات ذاته ضمن مجموعة تعترف له بمكانته ضمنها، بعد أن يفقد الأمل في إيجاد موقع له بين زملائه بالمدرسة وبعد أن ييأس من اكتساب احترام أهله وتقديرهم لكرامته، فتصبح مجموعته ملاذاً لتقدير ذاته وملجأ يثبت فيه شخصيته، فتبدأ دوامة المواجهة المرجعية، والتعنت لدحض كل مكونات مراجعه الأسرية والبيئية واستبدالها بقيم مبتدعة ضمن المجموعة، أو مستقاة من جهات أجنبية؛ فتتنامى ظاهرة الشرخ القيمي، حيث تسود طروحات فكرية دخيلة على الثوابت السلوكية للمجتمع.
فتزايد المثيرات المظهرية لبناء الصورة المجتمعية القائمة على لفت الانتباه، والتباهي يستدرج الكثيرين في متاهات الانحراف.
الشخصية الإجرامية هي شخصية سيكوباتية، معادية لمكوناتها، كارهة لتركيبتها وأصلها، لا ولاء ولا انتماء لها، لا تملك كرامة تحافظ عليها، وبالتالي فهي أخطر عدو داخلي ينخر أمن وسلامة المجتمع.
فمن كره نفسه لن يكون قادراً على حب الآخرين، ومن عادى نفسه ما كان ليسالم من حوله. للوقاية من مخاطر هذه الانحرافات المرضية، يتوجب الانتباه إلى ضرورة البدء بدعم مؤسسات حماية الطفولة ووضع برامج الكشف المبكر عن السلوك العدواني بالمدارس، وتكثيف البرامج لتأطير الشباب....
. |
|
|
|