الإعجاز العلمي في قوله ملكوت السموات والأرض
ما هو علم الإعجاز يعدّ علم الإعجاز في كتاب الله -سبحانه وتعالى- علمًا حديثًا بعض الشيء، فقد تطرَّق العلماء إلى سلسلة الإعجاز في كتاب الله -جلَّ وعلا- مؤخرًا، ويعدّ الإعجاز العلمي أكثر أنواع الإعجاز العلمي شهرة، فالقرآن الكريم فيه ما فيه من الإعجاز البلاغي والتشريعي والتربوي، وقد ظهرت ملامح الإعجاز العلمي بعد تطوّر العلم في العصر الحديث، ومع الاكتشافات العلمية التي وصل إليها الإنسان الحديث مؤخرًا، وهذا المقال سيتناول الحديث عن الإعجاز العلمي في قوله ملكوت السموات والأرض في سورة الأنعام، إضافة إلى التطرق إلى بعض صور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. تعريف سورة الأنعام تعدّ سورة الأنعام سورة من السور القرآنية التي نزل قسم منها في مكة المكرمة وقسم منها أيضًا في المدينة المنورة، وهي في الغالب سورة مكية، باستثناء الآيات التالية: "20-23-91-93-114-141-151-152-153" فهي سور مدنية نزلت على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- في المدينة المنورة بواسطة الوحي جبريل -عليه السَّلام-، وهي من السور الطوال في القرآن الكريم، حيث يبلغ عدد آياتها 165 آية، وهي السورة السادسة في ترتيب المصحف الشريف، حيث تقع في الجزء الثامن، وقد نزلت سورة الأنعام بعد سورة الحجر، وهي سورة من السور التي تبدأ بالثناء والحمد، حيث يقول الله -سبحانه وتعالى- في مطلعها: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ" [١]، وقد سُمِّيت سورة الأنعام بهذا الاسم لذكر الأنعام في أحد آياتها، حيث قال تعالى: "جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" [٢]، وجاء في فضل سورة الأنعام قول عبد الله بن عباس -رضي الله عنه: "نزلتْ سورَةُ الأنعامِ بمَكَّةَ ليلًا جملةً، حولَها سبعونَ ألفَ ملَكٍ يجأرونَ حولَها بالتَّسبيحِ" [٣]، والله تعالى أعلم. [٤]
شرح قوله ملكوت السموات والأرض قال تعالى في سورة الأنعام: "وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ ملكوت السموات والأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ" [٥]، وقد جاء في كتب التفاسير كثير من الشروح التي تناولت هذه الآية الكريمة، فهي آية من آيات الكتاب التي تظهر وتدل على وحدانية الله، وفيها ذكر نبي الله إبراهيم -عليه الصَّلاة والسَّلام- ويذكر كيف يريه بديع خلق السماوات والأرض ليكون من المؤمنين الموقنين بوحدانية الله -سبحانه وتعالى-، وجدير بالقول إنَّ معنى هذه الآية الكريمة يتقاطع مع كثير من معاني آيات كتاب الله -سبحانه وتعالى- ومنها قول الله تعالى: "قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ" [٦]، وقول الله تعالى في سورة الأعراف: "أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ" [٧]، ويقول مجاهد في تفسير هذه الآية الكريمة: "فرجتْ له السَّموات، فنَظَر إلى ما فيهنَّ، حتَّى انتهى بصرهُ إلى العَرش، وفرجت له الأرضونَ السَّبع، فنظر إلى ما فيهن"، وكان هذا لنبي الله إبراهيم -عليه السَّلام- ليؤمن ويكون من الموقنين، والله تعالى أعلم. [٨] الإعجاز العلمي في قوله ملكوت السموات والأرض يقول الله -تبارك وتعالى- في سورة الأنعام: "وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ ملكوت السموات والأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ" [٥]، في هذه الآية المباركة تتضح معالم صورة أخرى تُضاف إلى صور الإعجاز العلمي في كتاب الله -سبحانه وتعالى-، حيث يقول تعالى لنبيه إبراهيم -عليه السَّلام- ويطلب منه أن ينظر حوله في ملكوت السموات والأرض ليكون موقنًا كلَّ اليقين على وحدانية خالق هذا الكون الرحمن الرحيم، ويمكن القول إنَّ النظر فيما وراء سطور هذه الآية الكريمة سيظهر للإنسان إشارة إلهية إلى هذا الكون الكبير الشاسع، الدقيق الرسم والبناء، هذا الكون الذي يسير دون أي خلل بحركات مضبوطة بدقَّةٍ متناهية، هذا الكون المحكم جزئيًا وكليًّا، وهذا ما رآه الإنسان الحديث مع تطور العلم الحديث، فعندما أعمل الإنسان عقلَه ووصل إلى معرفة حقائق كثيرة لم يكن يعرفها من قبل، وأبرزها معرفة مكان الأرض في المجموعة الشمسيّة ومعرفة مكان المجموعة الشمسية في الكون، كلُّ هذا يظهر الإعجاز العلمي في ملكوت السماوات والأرض التي هي من صنع الله -سبحانه وتعالى- العليم الحكيم، فهذه الآية الكريمة دلَّت على عظيم صنع الله ودقة بناء هذا الكون العظيم قبل أن يصل الإنسان إلى الفضاء ويرصد الكوكب الذي يعيش عليه بسنين طويلة، لتكون دليلًا جديدًا على صحة هذا الكتاب وعظمة هذا الدين، والله تعالى أعلم. [٩] صور من الإعجاز العلمي في كتاب الله تتعدّد صور وأمثلة الإعجاز العلمي في كتاب الله -سبحانه وتعالى- فهو كتاب معجز بكلِّ ما للكلمة من معنى، وقد تعدّدت الآيات القرآنية التي تناولت في مضمونها الإخبار عن حقائق علمية كثير لم يكن الإنسان على علم بها في الفترة التي نزل فيها القرآن الكريم، إنَّما اكتشفها في العصر الحديث، ومن أبرز الآيات التي أخبرت بحقائق علمية كثيرة قبل قرون طويلة هي: [١٠] الإعجاز في نظرية وحدة الكون: يقول الله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" [١١]، وفي هذه الآية دليل على أن الكون كان واحدًا في البدء، وهذا ما أثبته العلم الحديث. الإعجاز في نشأة الكون: أثبت العلم إنَ أصل الكون غاز، وأن بداية هذا الوجود كانت من الغاز، وهذا ما نص عليه الكتاب في قوله تعالى: "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ" [١٢]. الإعجاز في الجبال: أثبت العلم إنَّ الجبال لها وظيفة مهمة وهي تثبيت الأرض من الميل والخلل، وهذا ما جاء به القرآن في قوله تعالى: "وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ" [١٣]. الإعجاز في نقص الأوكسجين في طبقات الجو: أثبت العلم إنَّ الأوكسجين يتناقص كلَّما صعد الإنسان نحو الأعلى، وهذه حقيقة جاء بها القرآن سابقًا في قوله تعالى: "فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ |
|
|
|