الخطأ ما بين المبررات والأسباب
وبعد كل ذلك ، قد يكبر شخصًا ذو أخلاقٍ سيئة، قد يرفع صوته عليك، قد ينكر فضلك، سنوات وسنوات من التربية ترى فيها أنك بذلت قصارى جهدك التربية مسئولية من أكبر المسئوليات، وحِمل كبير على عاتق المربي ينهكه ولا شك، ملامح تشبهك ، صفاتٌ تشبهك، طفلٌ صغير تنتظره شهورًا لتراه وشهورًا ليكبر، وسنينًا لتعتمد عليه، تنفق عليه مالك وجهدك وصبرك وطاقتك، تحتاج أحيانًا أن تتألم ولا تشكو، أن تحرم نفسك من الكثير لأجلهم، فقط لأجلهم. وبعد كل ذلك ، قد يكبر شخصًا ذو أخلاقٍ سيئة، قد يرفع صوته عليك، قد ينكر فضلك، سنوات وسنوات من التربية ترى فيها أنك بذلت قصارى جهدك لتنبت شجرةً قويمة أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء، وترى عود الثقاب الذي يحرقك اليوم من نفس الشجرة التي تعهدتها بالرعاية طوال شبابك الضائع. شعورٌ قاسٍ لا محالة، لكن، هل فكرت يومًا، إن كنت أنت السبب في ما وصل إليه من حال؟ حسنًا ، يجب أن تعلم أنهيمنعمادام بيدك سلطة التربية أو الحكم، يجب عليك معرفة الفرق بين "المبررات" و "الأسباب" ، المبررات هي ما يجعل الفعل الحرام مباحًا، والخطأ صوابًا، ويزين لصاحبه سوء عمله بل ويجعله مرفوع الرأس ساخطًا على كل معاتب، فيجنبه الندم والإصلاح والتغيير، أما الأسباب، فهي تحليل للخطأ بهدف عدم تكراره، اعتراف كامل به مع وجود دوافع لم تكن مبررة له لكن يجب العمل عليها لأن وجودها خطأ لا يقل خطورة عن خطأ الشخص. معظم المربين ينصبون محاكمة غير عادلة يحسبون أنفسهم فيها معصومين من الخطأ ويرفضون أي اتهام قد يُوَجَّه لهم! فهم -بحكم العادة- السلطة، وأصحاب السلطة لا يوجه لهم الانتقاد، هم الصواب، فقط هم، يرفضون الأسباب ويخلطون بينها وبين المبررات، البعض ينتقمون لأنفسهم بسبب شعورهم بجرح في كرامتهم واستغفال لهيبتهم، البعض يتمسك بالعادات والعُرف وما وجدنا عليه آبائنا دون إعمال العقل أو حتى القلب! ، حتى وإن كانت تلك العادات تنافي شرع الله عز وجل، بل البعض يتظاهر بالتمسك بشرع الله ليخفي أسبابه الشخصية، والبعض يتصرف بدوافع نفسية قديمة؛ كحدوث موقف صغير ذكرَّهُ بماضٍ أليم بدأ بذلك الخطأ أو ما يشبهه، فيعاقِب المخطئ على ذنبٍ إقترفته ذاكرة المُعاقِب لا المُعاقَب، وصدقني لا يكون العقاب بقدر ذلك الخطأ الصغير، بل بقدر خطأ الماضي وما تركه من جروح طوال كل تلك السنوات. كلها في الأغلب مشاكل شخصية أو عِرقية، ليست ردود الفعل بهدف الإصلاح والتربية، كل تلك التصرفات ناجمة عن قصور الشخص المعالِج للخطأ، واحتياجه لأن يُعَالَج هو أيضًا، وفي الأغلب، يرى صاحب الحكم نفسه العقل المدبر لحياة سليمة يسودها من يستحق السيادة، وكل من حوله لا يستحق، إلا هو، من المؤسف إن كان غير سوي مع نفسه بالحد الكافي الذي يجعله يدرك بشاعة ما يقترفه وتأثيره في تدمير حياة الكثير من بشرٍ رأوا النجاةَ في التوبة. الأسباب الشخصية في التربية تؤدي للانتقام لا الإصلاح، فالإصلاح هو آخر همها، الانتقام أولًا وثانيًا وآخيرًا. لحظة الضعف تلك التي يكتشف فيها قوي سر ضعيف، أو مسئول سر المسئولِ عنه، تلك اللحظة، قد تغير حياته بالسلب أو الإيجاب، مدى الحياة، قد تستغل ذلك الضعف وما يحيطه من استجابة النفس اللوامة وما تبقى من ضميره وتعاونه ليتغير إلى الأفضل، أن تخبره أنه " شخص جيد وتلك هفوة من هفوات الإنسان، مهما كَبُرَت من الممكن أن تُمحَى بالتوبةِ النصوحة والكثير من العمل الطيب، مع بعض العقاب نظير ذلك الخطأ ليطهرك ويربي فيك عدم تكراره، لا للتقليل من شأنك" .. وإما أن تهينه، وتضربه، وتغلق في وجهه أبواب السماح والتوبة. تلك الجملة المتكررة من الآباء ، " ما فعلته لن يُنسى مهما حاولت ، لا سبيل للغفران " ، لينتهي دفتر حياته بتلك الغلطة، ويعيش أبده ذليلًا حقيرًا، لكونِ شخصٍ يرى نفسه لم يُخطئ في حياته قد قرر ذلك، فيكون صغيرًا لم يتخطى سن البلوغ بشهور، ومطلوب منه أن يفعل معجزةً تجعل أبويه ينسون ما قام به من خطأ، يهولونه ويعطونه أكبر من حجمه، ظانين أنهم إن فعلوا ذلك لن يكرر الابن الخطأ مرة أخرى، سيخاف، كل ما يأملونه هو زرع الخوف من الخطأ، لا الاقتناع بضرورة عدم القيام به. الشر والخير فينا، نولد بهما إلى أن نموت، وتظل مواقف الحياة تغير ما بين الكفتين شيئًا فشيئًا ، تخيل معي أن تقضي على كفة الخير في نفس شخصٍ إلى الأبد لاستهانتك وتحقيرك له في لحظة ضعفه واعترافه بخطئه! أيها المربي، كن سويًا مع نفسك ولا تظنن أنك المختار في الأرض لتحكم من يستحق أن يستمر فيها ومن لا تُغفَر خطاياه! فلنحترم بعضنا وأخطاءنا، فلنؤمن أن الله لم يسترنا لأننا نستحق، بل لأنه الحليم الستير. العقاب أمر ضروري، وكثرة الغفران دون عقاب تجعل الخطأ سهلًا ومحببًا، لكن تذكر، العقاب ليُطَهِّر الإنسان لا ليحقر من شأنه، وقد يؤلمه لكن يجب ألا يؤذيه، يحرمه أحيانًا من ملذات الدنيا لكنه لا يعني أنه لا يستحقها، إنه يربي في نفسه شيئًا، والاعتراف بالخطأ وحده يستحق الثواب لا العقاب. لا تجعل العقاب ستارًا تختبئ خلفه لتحافظ على غرورك وتنتقم لنفسك وتعتبر كل خطأ يخطئه أبناؤك المقصود به إهانتك أنت! ، لا تجعل أولادك يفهمون أن العقاب جحيم الدنيا، اجعل فترة العقاب هي فترة محاسبة النفس ومعاتبتها والعمل على عدم العودة إلى ما وصلت إليه من قبل، اجعل أولادك يخرجون بعد كل سقطة أكثر صلاحًا وخلقًا، أكثر خبرةً وأكثر رضًا. لا تجعل ذلك الطفل الصغير يربي في نفسه حلم أن يكبر قليلًا، لا ليُعَمِّرَ الكون أو ليصبح شخصًا عظيمًا، بل فقط ليملك القوة لردعك، وللانتقام من كل شعورٍ بالذل قد شعره، كل مرة أخطأ وتاب ثم أخطأ مجددًا فذكرته بكل ماسبق، جعله يدرك ألا جدوى من التوبة، حتى أصبح ذلك الشخص الذي تندب شبابك الضائع على تربيته. كن سويًا مع نفسك، مع أبنائك، كن على قدرٍ من المسئولية للقيام بتلك المهمة العظيمة، كن مربيًا لأجيالٍ قويمة سليمة خالية من العُقَد تفهم الأمور على وجهها الصحيح، لا تزرع خوفًا، ازرع مبادئًا وقيمًا، لا تُحَقِّر من جهد طفلٍ صغير ولا ترهقه أكثر من اللازم، هو لم يولد بقوانينك، لم يولد بخبرتك، أنت وحدك القادر على تحويله من طفلٍ .. إما لشابٍ عظيم يستحق الفخر، أو لمجرم قاسٍ لا سيطرة عليه وعلى رغبته في الإنتقام! لا تستهن بالفطرةِ عندما تُقتَل. |
|
|
|