فنيمنعالتعامليمنعمع الابتلاء
الابتلاء يكون على قدر العطاء، فعن سَعَدِ بنِ أَبي وَقَّاص رضي الله عنه قال: قُلْتُ يا رسول الله أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً؟ قال الأنبِياءُ ثمَّ الأمْثَلُ فَالأمثلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ على حَسَبِ دَينهِ: فَإنْ كَانَ دِينُهُ صَلبًا أَشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وإِنْ كَانَ في دِينهِ رِقَّةٌ ابتُلي على حَسَبِ دِينهِ، فما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَه يمشِي على الأرضِ ما عليهِ خَطيئةٌ؛ رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
أخي المسلم، كيف نواجه الابتلاء؟
إن حسن الظن بالله والصبر من أقوى الأسلحة عند المسلم؛ ليخرج من أي ابتلاء، فالإنسان يمر بأوقاتٍ يشعر فيها بالضيق والحزن والتعب النفسي، وقد يتطور الأمر إلى أن يصاب بالقلق، وهذا يعتمد على قوة صلته بالله عز وجل، فإن كانت قوية ستخرجه من أي حالة نفسية أو قلق يمر به، وإن كانت صلته بالله أقل ستكون هناك مشاكل متتالية وأوضاع نفسية قد تطول؛ لأن الشيطان يبدأ بالوسوسة في عقله بأن الله لم يفرج همه، ومن هنا يبدأ سوء الظن بالله يتسلل إلى قلب الإنسان والعياذ بالله.
وأيضًا قد تكون صلة العبد بالله قوية، ويصاب بالحزن والتعب النفسي بسبب سوء إدارته للبلاء، من حيث التعامل معه، فهو يعيش البلاء ولا يتعايش معه، وبينهما فرق كبير، وباختصار الذي يعيش البلاء هو الذي يستسلم له، أما التعايش مع البلاء، فهو قبوله والتكيف معه ومعالجته، من حسن الظن بالله أن ينظر الإنسان للابتلاء الذي وقع بأنه خير؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5]، وقد بيَّن القرآن أن الصبر على المصائب والابتلاءات له ثوابٌ عظيمٌ عند الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].
لزوم الاستغفار والصلاة على النبي صل الله عليه وسلم:يمنع
إن كثرة الاستغفار سببٌ لدفع البلاء والنقم عن العباد والبلاد، ودفع المحن والفتن؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، وسببٌ في تفريج الهموم والضيق ففي سُنَنِ أبي داودَ وابنِ ماجَه، ومُسْنَدِ الإمامِ أحمد عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفارَ، جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، ومِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا"، كما إن الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر الأعمال التي تجلب الخير وتدفع البلاء، وفي الحديث عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قالَ: قُلْتُ:
يا رسُولَ اللهِ، إنِّي أُكْثِرُ الصلاةَ عليكَ فَكَمْ أَجعَلُ لَكَ مِن صَلاتي؟ فقالَ: ما شِئتَ، قالَ: قُلت: الربعَ، قالَ: ما شِئتَ، فإن زِدْتَ فَهُو خَيرٌ لكَ، قالَ: قُلتُ: النصفَ، قالَ: ما شئتَ فإنْ زِدْتَ فهو خيرٌ لكَ، قال: قلتُ: فالثُّلُثَيْنِ، قالَ: ما شئتَ فإنْ زِدتَ فهو خيرٌ لكَ، قلتُ:
أجْعلُ لكَ صَلاتي كلَّهَا، قالَ: إذًا يُكْفَى هَمُّكَ، ويُغْفَرُ ذنبُكَ؛ أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن.
قول: لا حول ولا قوة إلا بالله:
لا حول ولا قوة إلا بالله مأوى المهمومين ومتنفس المكروبين، ولا حول ولا قوة إلا بالله آهات المضطرين، ومستعان العاجزين، فلا تحول من الذل إلى العز، ولا من المعصية إلى الطاعة، ولا تحول من المرض إلى الشفاء، ومن الفقر إلى الغنى، ولا تحول من الفشل إلى النجاح، ومن الهزيمة إلى النصر إلا بالله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فيها التبرؤ من كل حول وقوة من قوى البشر، فالإنسان لا يستقل بحولٍ ولا قوة، فلا يتحول من حالٍ إلى حال، ولا يقوى على حالٍ ومآل إلا بالله الكبير القوي المتعال، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه: "لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللهَ، تَحْمِلُ الأثْقَالَ وتُكابِدُ الأهْوَالَ، ويَنَالُ رفِيعُ الأحْوَالِ.
فإذا ضاقت بك الطرق واشتد المأزق، فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا تراكمت عليك الديون، وكَثُرَ المطالبون، فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا عظُمَ الخطبُ واشتَد المأزق، فقل:
لاحول ولا قوة إلا بالله، إذا هممتَ بالطاعة وفعل العبادة، فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلا حول ولا قوة إلا بالله دليل الإخلاص والخلاص، وقطع العلائق عن الخلائق وجميعَ الأشخاص.
الصدقة:
وهي من أهم ما يرفع البلاء عن المسلم، فقال ابن القيم: إن الصدقة ترفع البلاء حتى عن الكافر والفاجر، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يتصدقن، وقرن ذلك بأن النساء من أكثر أهل النار، فكانت الصدقة سببًا لدفع بلاءٍ عظيم جدًّا وهو عذاب الآخرة، كما أن الصدقة سبب سرور المتصدق ونضرة وجهه يوم القيامة، أنها تطفئ غضب الرحمن وتدفع ميتة السوء وتُظلُ صاحبها يوم القيامة وتفكه من النار.
تقوى الله تعالى فهو عبادة مأمور بها؛ حيث جعلها الله تعالى سببًا للفرج بعد الشدة، وكشفًا للكرب بعد الضيق؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
الدعاء:يمنع
لا يخفى على أحد أن الدعاء هو لب العبادة، أو كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " الدُّعَاءَ هُو العِبادة"؛ رواه البخاري، كما أن الدعاء سبب في استجلاب معية الله للعبد، كما جاء في الحديث القدسي: " أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبدِي بي، وأنا معهُ إذا دَعَاني"؛ متفق عليه.
فَبِقدرِ عِظَم البلاء يعظمُ معهُ فضلُ الدعاء، فيصيرُ الإنسان أحوجَ ما يكون إلى طرق باب السماء بالدعاء عند الشدائد والمحن، فإذا انقطعتِ الحيلُ والأسباب وصُدت السبلَ والأبواب، فلا يبقى إلا باب العزيز الجبار والتضرعُ إلى الله المغيث مسبب الأسباب دافع الأخطار، ودافع الضرر والمصائب، كاشف الأسرار والعجائب، فَصِدقُ اللجوء إلى الله تعالى وحسن الظن به، مع الأخذ بالأسباب المطلوبة، حتمًا سيُهدأُ كل تَوجع ويُسكن كل تَفجع، أما الفزع والجزع فلا ينشران مطويًا ولا يردان مقضيًّا، والدعاء كما جاء عن ابن القيم الجوزية رحمة الله عليه من أَنْفَعِ الأدويةِ، فهُوَ عَدو البَلاءِ يُدَافِعُهُ وَيُعَالِجُهُ، ويَمْنَعُ نُزُولَهُ ويَرْفَعُهُ أو يُخَفِّفُهُ، وخير الدعاء ما كان خالصًا خفيًّا من خضوع وخشوع؛ قال تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [الأعراف: 55]، والإكثار من أدعية تفريج الكرب وزوال الهم، وهي كثيرة ومنها دعوة نبي الله يونس في بطن الحوت (لا إله إلا الله سبحانك إني كنت من الظالمين)، وكذلك الدعاء الوارد في الحديث الصحيح: (الله ربي لا أشركُ بهِ شيْئًا)، ومما لا شك فيه أن الصلاة بخشوع والذكر، وأفضله قراءة القرآن الكريم، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والإكثار من قول الحمد لله، والتوكل على الله، والتوبة خاصة من ذنوب الخلوات، وقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلِف لي خيرًا منها، أمورٌ تُريحُ القلب وتبعث الراحة والطمأنينة للإنسان المسلم، وهذا بفضل الله وتوفيقه.يمنع
كذلك هناك علاج سلوكي يساعد على تخفيف الحزن والألم، ويمنح الراحة للنفس ومن هذه السلوكيات:
ممارسة الرياضة:
تعد الأنشطة الرياضية من أهم الطرق للمحافظة على الصحة الجسدية والنفسية، فهي تُسهم في تحسين المزاج؛ لأنها تعمل على تحفيز المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ التي تجعلك تشعرُ بالسعادة والاسترخاء، وكذلك تعزز الثقة بالنفس، وترفع من تقديرك لذاتك، وقدرتك على تحمُّل الضغط الزائد، وكذلك تعمَل على تحسين نوعية وجودة النوم، كما أنها تقلِّل من مستوى هرمونات التوتر في الجسم، ويكفي من الرياضة المشي السريع مع أخذ النفس العميق، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لأصحابه: (اسْتَعينوا بالنَّسَلان)، وهو ما يسمى بالهرولة.
وبإمكانك أن تجعل من رياضتك عبادة بالنية للحصول على العقل السليم والجسم السليم لعبادة الله تعالى عز وجل بشكلٍ أفضل وأتم، كما يمكنك أثناء المشي ذكر الله عز وجل والتفكر والتأمل في مخلوقاته تعالى.
العمل التطوعي:
يُعد عمل الخير من الأمور المبنية على الفطرة التي تنشأ مع الإنسان، وقد لاقت الأعمال الخيرية في الوقت الراهن اهتمامًا كثيرًا ضمن مؤسسات تختص بتلك الأعمال تحت مسمى العمل التطوعي، فالإنسان يسعى إلى تحقيق الاستقرار النفسي ويبحث عن السعادة، ومن أهم الأمور التي تبعث عن السعادة وتحقق الإيجابية العمل الخيري التطوعي؛ إذ يؤدي إلى إشباع الحاجات النفسية المتوازنة منها الدينية والاجتماعية، وكذلك إشباع الحاجة إلى الإنجاز والنجاح، وشعور الإنسان بأنه شخص نافع.يمنع
وكذلك إشباع الحاجة إلى الحب والانتماء والقبول بين الآخرين.
وما يهمنا أكثر أن العمل التطوعي يجعل الإنسان داخليًّا مطمئنَّ النفس نتيجة مساعدته للآخرين، سواء بالكلمة الطيبة أو بالفعل؛ كتفريج كربة وعلى قُدرَتهِ إدخال ورسم البسمة على وجه الآخرين، مِن مبدأ: أسعدُ الناس مَن أسعد الناس، وأن أحبَّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُم للناسِ، وأحب الأعمال إلى اللهِ سرُورٌ تُدْخِلُهُ على مسلمٍ؛ كما ورد في حديث عبدالله بن عمر صحيح الجامع.
ومن ضمن السلوكيات في علاج الحزن والألم الذي يصيب المؤمن: البكاء، والابتسامة، والتواصل مع الآخرين، وتلبية دعواتهم، والنوم الشرعي الصحي، وأمور أخرى يصعب حصرها في خطبة الجمعة، ورسالتي لك أيها المهموم أن تترك القلق؛ لأن القلق لن يتركك، واجعل اختيارك قويًّا لترك القلق، وإن لم تستطع، فبادر لطلب المساعدة الشرعية أو الاستشارة النفسية، ولا تجعل نفسك أثيرًا لأحزان الماضي والخوف من المستقبل، احذف كلمة ( لو ) من الحياة، لو أني فعلت كذا لكان كذا؛ لأن ( لو ) أكبر سبب للقلق، وهي تفتح عمل الشيطان، وقل: قدر الله وما شاء فعل، واستمتع بالحياة وبالمقومات المتوفرة لديك، فالسعادة قرار وليس قضاء، ولا تقلق؛ لأن الأمر ليس لك، واعرف ربك معرفة تجعلك خاضعًا منيبًا منكسرًا له، وأن الأمر كله لله.
أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، واذكروا نعمة الله عليكم، وتمسكوا بكتاب ربكم، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اعلموا أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال جل من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] |
|
|
|