لا تنافس أحدا على دنياه
حينما تعم الفتن ويكثر البلاء وينتشر الشرور تمسك أكثر بالله ولا تركن إلى الدنيا ولا تنافس عليها زلا تطمع من التزود مما فيها فهي فانية وعملك هو أنيسك وجليسك في الآخرة.
التنافس على الدنيا:
فالتنافس على الدنيا ليس من شأن المؤمنين فالله تعالى يقول عنها: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور}، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم تفاهة الدنيا، وهوانها على الله عز وجل حين قال: " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء"، ولهذا لفت الشرع الأنظار إلى خطورة التنافس في الدنيا مع الإعراض عن الآخرة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ".....وإني أعطيت مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها".
الزهد في الدنيا:
ومما يعضد ويقوي هذه المعاني الأمر بالتزهد في الدنيا وعدم الحرص عليها وقد وردت في هذا نصوص كثيرة للتهوين من شأن الدنيا وتصغيرها وتقليل شأنها في نفس المؤمن، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ رواه مسلم، وفي هذا يقول النووي رحمه الله تعالى: "معناه: أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة، مكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا، وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان، وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا، مع قلته وتكديره بالمنغصات، فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد." انتهى من "شرح صحيح مسلم".
كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ:
كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عبد الله بن عمر الذي قال: "أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ" رواه البخاري.
وهذا الحديث يبين ما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمن في هذه الدنيا لا سيما في وقت الفتن وانتشار المعاصي، وقد علق ابن رجب على هذا الحديث قائلا: "وهذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر: يهيئ جهازه للرحيل.
عبادة الله هي الغاية:
وهناك نصوص كثيرة تريح القلب وتضع المؤمن أمام فلا يعادي و يوالي من اجل متع زائلة .. بل إنه يعيش في الدنيا لغاية واحدة هي عبادة الله " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.. فطاعة الله سبيله وغايته ومن ثم يرى في الدنيا خلودا وهذه النصوص تدعو إلى الزهد في الدنيا، والاستفادة من الأوقات في الأعمال المؤدية إلى الجنة؛ لأن الدنيا مهما احتوت من النعيم، فهو قليل في جنب نعيم الآخرة، كما في قوله تعالى: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا)، وبهذا يختلف حال المؤمن عن غيره في التعامل مع متع الحياة.