نعيب زماننا والعيب فينا
لدينا ثقافة مثبطة، أساسها سوء فهم التوكل وجعله تواكلاً يتكئ عليه الكسالى والمهملون، وهذا المفهوم متوارث تعززه ثقافة المجتمع بسوء فهم تفسير الآيات والأحاديث، وترديد الأمثال الشعبية المثبطة، تترسخ هذه الثقافة حتى تصبح حقائق للمتلقي لا مجال لنقدها..
الإنسان خبير في نقد غيره، ونحن لسنا استثناء، بل خبراء في نقد الغير، وفي الحديث عنهم بما يسوؤهم، نتناقل أخبارهم، نحاول جاهدين البحث عن أخطائهم، لكن قلما نلتفت لنقد أنفسنا ومعرفة عيوبنا وما نحن مقصرين فيه، وأعتقد أن الجهل الذي يستوطن عقول البعض، والفراغ الذي نعيشه من أسباب كثرة الحديث عن الآخرين، والعيب الثاني هو محاولاتنا التقليل من نجاح غيرنا، وتقزيم منجزاتهم، والبحث عن عيوبهم وتضخيمها، مع أن نجاحهم هو في النهاية نجاح لنا، نفتقر إلى التعاون في العمل، نحاول جاهدين تكسير المجاديف ووضع العصي في الدواليب لإعاقة الناجحين، عايشت خلال خمسين سنة من العمل في الدولة الكثير من المعارك بين الرئيس ونائبه، وبين الزميل وزميله، بصرف النظر عن المستوى العلمي والشهادة التي يحملها المتخاصمون.
في الحياة الزوجية توجد نماذج رائعة للأسر المتحابة والتي تبني مستقبلها ومستقبل أبنائها على أسس الحب والنجاح والتفوق، وفي المقابل توجد أسر كثيرة بائسة، يسود فيها الخلاف والهجر والتعدد والطلاق لأسباب تبدأ بسيطة، ثم تكبر حتى تصبح نقداً للشخص بدل نقد الفعل المحدد وتصحيحه، وبدل النظر إلى الاختلاف على أساس أنه سنّة الحياة ومن مكملاتها.
نشتكي كثيراً من الممارسات الخاطئة للشباب في الشوارع والأسواق والمتنزهات، وننسى أنهم كانوا في يوم من الأيام صغاراً في بيوتنا وتحت أنظارنا، كنا نرى الأخطاء ولا نصححها، ونرى الإهمال فنعزوه لغير أسبابه، نبحث عن الأعذار كي لا نتجشم عناء التربية والتعليم والتدريب، ولا نحثهم على الممارسات المفيدة والصحيحة، فإن كان في سنينه الأولى قلنا صغيراً، وإن كان في سن أكبر قلنا هذه مرحلة البلوغ، ومرحلة المراهقة وهكذا.
اليوم زادت التحديات بوجود التقنية ومنتجاتها التي أوجدت بديلاً عن الجلوس مع الأسرة، صارت هي البديل المحبب لهم عن اللعب الذي هم بأمس الحاجة إليه، وصارت الأجهزة المحمولة تنام معهم في غرفهم وفوق أسرتهم.
من السهولة أن ننتقد الآخرين ونقلل من نجاحاتهم، سواء كانوا قريبين منا أو من دول أخرى مجاورة أو من دول متقدمة، لكن ذلك لن يقدم لنا ما نحتاجه لنلحق بالعالم الأول حيث الاقتصاد القوي المتنوع المصادر، والخدمات المتميزة وجودة الحياة، نحتاج إلى النقد الصادق الأمين لتصحيح الوضع، وعدم إلقاء اللوم على الآخرين ومن ذلك:
أولاً) يجب أن نؤمن أن أعظم وظائف الأم والأب هي التربية، ومهما تبوءا من مناصب فإنها لن تغني ولن تشفع لهما حين يفشلان في تربية أولادهم، التربية بحاجة إلى صبر ومتابعة وقدوة حسنة وتفرغ، وفي هولندا على سبيل المثال يعطى الأم أو الأب إجازة مدفوعة الراتب حين يرزقون بطفل من أجل التفرغ للعناية به، التربية عمل مستمر، وبحاجة إلى متابعة وتواصل مع المدرسة منذ الحضانة وحتى الجامعة.
ثانياً) من أهم أسباب تقدم الغرب وقوته في الخمسة قرون الأخيرة هي ثقافة العمل، التي تبنتها الأسر، وظلت قيمة أساسية في نظر السواد الأعظم من الناس، وفي الغرب يشجع الأهل أولادهم على العمل الجزئي في البيت وفي المدرسة والجامعة. وقد ارتبط العمل في تقدير الذات، وحفظ الوقت وتقدير قيمته واحترام المواعيد، ومن شبه المستحيل أن تجد معلماً أو أستاذ جامعة يتأخر عن طلبته مدة خمس دقائق، ناهيك عن الغياب التام الذي نشتكي منه في مدارسنا وجامعاتنا ومراكز أعمالنا، للوقت قيمة ثمينة لا يمكن إهدارها أو تبديدها.
ثالثاً) لدينا ثقافة مثبطة أساسها سوء فهم التوكل وجعله تواكلاً يتكئ عليه الكسالى والمهملون، وهذا المفهوم متوارث تعززه ثقافة المجتمع بسوء فهم تفسير الآيات والأحاديث، وترديد الأمثال الشعبية المثبطة، تترسخ هذه الثقافة حتى تصبح حقائق للمتلقي لا مجال لنقدها، وفي الوقت نفسه نتغاضى عن الآيات والأحاديث التي تحث على العمل والتفكير والأخذ بالأسباب، كم نحن بحاجة إلى النقد الهادف، وإيضاح الفرق الكبير بين التوكل والتواكل، بين الأخذ بالأسباب وبين إهمالها.
المملكة على أعتاب حقبة جديدة من التقدم وامتلاك القوة بكل مقوماتها، والتي من أهمها الإنسان القوي المنتج والمبدع كل في مجاله، فقوة الأمة تكمن في أفرادها، وما لم نلتفت إلى التربية ونركز على ثقافة العمل واحترام الوقت وحسن استثماره، وتصحيح مفهوم التوكل، ستبقى الثغرة مفتوحة بيننا وبين المجتمعات المتقدمة. |
|
|
|