ثمـة أوقات وأحوال وأماكن يكون الدعاء فيها أقرب وأحرى للإجابة .
أما الأوقات فمنها : أولاً : بين الأذان والإقامة عندما يكون العبد في انتظار الصلاة فهو في صلاة وهو في قربة. ثانياً : آخر ساعة من يوم الجمعة ثالثاً : عند صعود الخطيب المنبر يوم الجمعة حتى تُقضى الصلاة وقع الخلاف حول ساعة الجمعة ، وما ذلك إلا لخفائها ، وإخفاؤها لأجل الاجتهاد وطلبها والحرص عليها ، كما أُخفيت ليلة القدر . رابعاً : جوف الليل الآخر وأدبار الصلوات المكتوبة فعن أبي أمامة قال : حدثني عَمْرُو بنُ عَبسَةَ أَنّهُ سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقُولُ : أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرّبّ مِنَ العَبْدِ في جَوْفِ اللّيْلِ الآخِرِ ، فإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمّنْ يَذْكُرُ الله في تِلْكَ السّاعَةِ فَكُنْ . عَن أبي أُمَامَةَ قال : قِيلَ لرَسُولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أَيّ الدّعَاءِ أسْمَعُ ؟ قال : جَوْف اللّيْلِ الآخِرُ ، وَدُبُرَ الصّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ . وَدُبُرَ الصّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ : أي قبل السلام كما ثبتت بذلك الأحاديث . خامساً : يومُ عـرفـة في ذلك الموقف العظيم يُباهي رب العزة سبحانه ملائكته بعباده الذين أتوه شُعثاً غُبراً . سادساً : ليلة القدر عَن عَائِشَةَ قالَتْ قُلْتُ : يا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أيّ لَيْلَةٍ لَيْلَة القَدْرِ مَا أقُـولُ فِيهَا ؟ قال : قُولِي : اللّهُمّ إِنّكَ عَفُوّ كريم تُحِبُ العَفْوَ فاعْـفُ عَنّي سابعاً : عند الصف في سبيل الله ، وعند الأذان عندما تلتحم الصفوف ، وتبلغ القلوب الحناجر ، ويذكر المحـبّ حبيبه ، يذكر المؤمن ربّـه ويدعوه ويتضرعّ إليه . ثامناً : عند نـزول الغيث : عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ثنتان ما تردّان – أو قلّما تردّان – : الدعاء عند النداء ، وتحت المطر . تاسعاً : أوقات متفرقة عن جـابر بن عبد الله أن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعـا في مسجد الفتح ثلاثاً : يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء ، فاستجيب لـه يوم الأربعاء بين الصلاتين ، فعُرف البِشر في وجهه . قال جابر : فلم ينـزل بي أمر مهم غليظ إلا توخّيت تلك الساعـة ، فأدعـو فيها فأعـرف الإجـابة . وقد يتهيأ للعبد أكثر من فرصة لإجابة الدعاء ، كأن يكون مسافراً عصر الجمعة ، فيجتمع حال السفر مع ساعة الإجابة آخر النهار ، وقد يدعوا بين الأذان والإقامة وهو ساجد يصلي فيجتمع حال السجود مع هذا الوقت الذي هو مظنة إجابة الدعوة . وقد تجتمع ثلاثُ فُرص ، كالمسافر عصر الجمعة ويدعوا لأخيه بظهر الغيب وهكذا .
[ وأما الأماكن الفاضلة التي يستجاب فيها الدعاء فمنها ]
الملتَزَم وهو بجـوار الحجر الأسود ،
وسمي كذلك لأن الناس يلتزمونه بصدورهـم وأيديهم ،
وهو ما بين الحجر الأسود إلى باب الكعبة .
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُلزِق صدره ووجهـه بالمُـلتَـزَم .
وقال ابن عباس – رضي الله عنهما – : المـلـتَـزم ما بين الركن والباب .
ومن الأماكن أيضا :
المسجد الحرام على وجه الخصوص ، ومكة على وجه العموم .
مكة – شرّفها الله وحرسها – هي البلد الأمين ، وفيها بيت الله ،
ولذا تُضاعف الحسنات في الحرم ، وتعظم السيئات فيه .
وأما الأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء فمنها : 1 ـ دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب وهل رأيت أفضل من أن يؤمِّن على دعائك من لم يعص الله طرفة عين – أي الملَك – فأنت المستفيد على كل حال ، يوكّل بك ملك كلما دعوت لأخيك قال : آمين ولك بمثل . وفي هذا الحديث إشارة إلى طلب الدعاء من الآخرين ، وأنه كان معروفاً خلافاً لمن كرهه 2 ـ حال السفر 3 ـ دعوة الوالد لولده ، وعلى ولده 4 ـ دعوة المظلوم وهـذه الثلاث جمعها حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ثَلاَثُ دَعَـوَاتٍ مُسْتَجَـابَـاتٍ لاَ شَـكّ فِيهـنّ : دَعْـوَةُ الْوَالِـدِ على ولـده ، وَدَعْـوَةُ المُسَافِـرِ وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ . 5 ـ حـال الاضطرار قال سبحانه : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) [ النمل : 62 ] وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق قصة رجل لـه بَغْلٌ يُكريه من دمشق إلى بلد الزبداني ويَحمل عليه الناس .قال : فركب معي ذات مرة رجل ، فمررنا على بعض الطريق على طريق مسلوكة ، فقال لي : خذ في هذه فإنها أقرب . فقلت : لا خبرة لي فيها . فقال : بل هي أقرب ، فسلكناها فانتهينا إلى مكان وعـر ، وواد عميق ، وفيه قتلى ، فقال لي : أمسك رأس البغل حتى أنزل فنـزل وتشمّر وجمع عليه ثيابه وسل سكيناً معه ، وقصدني ، ففرت من بين يديه وتبعني ، فناشدته الله ، وقلت : خذ البغل بما عليه ، فقال : هو لي ، وإنما أريد قتلك ! فخوّفته الله والعقوبة ، فلم يقبل فاستسلمت بين يديه ، وقلت : إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين ، فقال : عجِّل ، فقمت أصلي فارتج عليّ القرآن فلم يحضرني منه حرف واحد ، فبقيت واقفاً متحيراً ، وهو يقول : هيه ! افرغ ، فأجرى الله على لساني قوله تعالى : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) [ النمل : 62 ] فإذا أنا بفارس قد أقبل من فمِ الوادي وبيده حربة ، فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده ، فَخَرّ صريعاً ، فتعلقت بالفارس ، وقلت : بالله من أنت ؟ فقال : أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء . وإنما تحصلُ إجابةُ دعوةِ المضطر لأنه يُخلِص في تلك الحال – حـال الاضطرار – ولـوكان مشركا 6 ـ الصّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ حين يُفطر الصائم يفرح بإكمال صيام يوم ، وبتمام طاعته لِربِّـه . قال عَبْد اللّهِ بْن أَبِي مُلَيْكَةَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إِنّ لِلصّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُـرَدّ 7 ـ حـال السجود عندما يخرّ المصلِّي ساجداً فإنه يضع أشرف مكان فيه وأعلاه على الأرض ، خاضعاً ذليلاً بين يدي مولاه ، فيكون أقرب ما يكون إلى ربِّـه تبارك وتعالى . 8 ـ حال البيتوتة على طهارة لا يُحافظ على الوضوء إلا مؤمن ، ومَن بـات طاهراً فقد اقتدى بسيد الأنام عليه الصلاة والسلام . وعَن أَبي أُمَامَةَ البَاهلِيّ – رضي الله عنه – قال : سَمِعْتُ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقُولُ : مَنْ أَوَى إِلى فِرَاشِهِ طَاهراً يَذْكُرُ الله حَتّى يُدْرِكَهُ النّعَاسُ ، لَمْ يَنْقَلِبْ سَاعَةً مِنَ اللّيْلِ يَسْألُ الله شَيْئاً مِنْ خَيْرِ الدّنْيَا والآخِرَةِ إلاّ أَعْطاهُ الله إيّاهُ . 9 ـ عند ختم القرآن : لكلّ عامل أُجرة عند خِتام عمله ، وقارئ القرآن لـه أُجرة مُعجّلة في الدنيا ، وهي دعوة مستجابة عند ختم القرآن ، مع ما يدّخر الله له يوم القيامة .
من كتاب [ لا تكن اعجز الناس فتترك سلاحك ] للشيخ عبدالرحمن السحيم