قلبك في رمضان
للفؤاد مسؤولية أمام الله، كمسؤولية السمع والبصر، فكما سيُسأل العبد منا عما يمر على سمعه وبصره، فسوف يسأل عما يقر فؤاده وقلبه: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، أي سيسأل العبد عنها، وعما عمل فيها، وللفؤاد أو القلب مسئولية خاصة عن بقية الجوارح، لأنه المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله[1].
وللقلب عبادة في رمضان كما لسائر الأركان، ولأنه سيد الأعضاء فإنه مخصوص بسيد العبادات وهو الإخلاص، فالإخلاص هو سيد العبادة، وليس ألصق بالإخلاص في العبادات من الصيام، لأنه عبادة بين العبد وربه، ولا يمكن أن يكون الصيام طاعة إلا بالإخلاص، ولعل هذا معنى قوله ﷺ حاكياً عن ربه : كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به[2]، قال القرطبي رحمه الله: “إنما خص الصوم بأنه له، وإن كانت العبادات كلها له، لأمرين باين الصوم بهما سائر العبادات:
أحدهما: أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا تمنع منه سائر العبادات.
الثاني: أن الصوم سر بين العبد وربه، لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصاً به، وما سواه من العبادات ظاهر، بما فعله تصنعاً ورياء، فلهذا صار أخص بالصوم من غيره”[3]
إن على المرء أن يتحسس أحوال قلبه في رمضان ويقيس ذلك على ما قبله ملتمساً مواطن قوته ومواضع ضعفه، ليدرك بهذا القياس هل له عبودية واحدة في رمضان وفي غير رمضان، أم أن معاملته لربه يداخلها الإجلال في رمضان، ويخالطها الإخلال في باقي شهور العام؟.
إن الأصل في عبوديتنا لله تعالى أن تقوم على إجلاله وتوقيره وتعظيمه وهذا ينبغي أن يستوي في رمضان وفي غير رمضان، ولكننا في رمضان نستطيع أن ننمي ذلك التوقير في قلوبنا؛ لأن الصيام عبادة تقوم على مراقبة الله والحياء منه في السر قبل العلن، وتوقير الله تعالى طريقه توقير كلامه وكلام رسوله وتعظيم أمره ونهيه فيهما، فإن التفكر والعمل بالكتاب والسنة ويورِّث التعظيم، وكذلك تذكر آلاء الله ونعمه وعظمة خلقه ودقة صنعه، فمن عرض على قلبه مشاهد القدرة والإبداع، شاهد بهذا القلب عظمة الله التي تُلزم بالتوقير وتستوجب الإيمان والطاعة، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: في معنى: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:13]: “أي: لا تعظمون الله حق عظمته”[4].
فحق التوقير: التعظيم بالقلب، وحق التعظيم بالقلب الطاعة بالجوارح.
قلبك أيها الصائم هو سيد جوارحك وقائدها، فداوم على تفقده لأنه دائم التقلب، وقد كان أكثر دعاء الرسول ﷺ: اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك |
|
|
|