اعداء ولكن يستحقون الشكر إن الناظر إلى الحياة بعين البصيرة و التبصر يعلم علم اليقين أن هناك صناعة من أسوأ الصناعات و أسهلها بنفس الوقت
و هي لا تحتاج سوى للقليل من سوء التصرف و فداحة التدبير و عدم اللامبالاة .
إنها و بإختصار (( صناعة الأعداء )) ! فما أيسرها على من سعى لها و أرادها و قد يحققها المرء بأخف الجهود و أقل المجهود ..!!
وقد رأيتُ لها أشكالاً كثيره و مرت علي من صناعها الواناً عديده ، فكنتُ دائماً ما أتذكر أن الحياة
مدرسة نتعلم منها و قد علمتني الصبر و طول النفس و استعمال العلاج الذي أوصى به الله عز وجل
و هو الدفع بالتي هي احسن لتكون النتيجة (( فإذا اللذي بينك و بينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم )) .
و تعلمتُ من الحياة أن لا أضجر و لا أضيق ذرعاً بوجود اولئك الفئة لأنهم جزء من تركيبة هذه الحياة و هم أحد سنن الله في خلقه . فلا بد للنجاح من ضريبه .
و المتأمل في هؤلاء بعين الروية لا يملك إلا أن يشكرهم ..!!!
فأنتم من علّمني كيف أستمع إلى النّقد والنّقد الجارح دون ارتباك وكيف أمضي في طريقي دون
تردّد، ولو سمعت من القول ما لا يَجْمُل ولا يليق..
وهذا درس عظيم لا يمكن تلقّيه نظريًّا مهما حاول المرء، حتى يُقيّض الله له مَن يُدرّبه عليه،
ويجرّعه مرارته أوّل الأمر؛ ليكون شيئًا معتادًا بعد ذلك.
شكرًا أيها الأعداء! فأنتم مَن كان السّبب في انضباط النّفس وعدم انسياقها مع مدح المادحين، لقد
قيّضكم الله -تعالى- لتعدِلوا الكِفّة؛ لئلا يغترّ المرء بمدح مفرط أو ثناء مسرف أو إعجاب في غير محله
ممن ينظرون نظرة لا ترى إلا الحسنات، نَقِيض ما تفعلونه حين لا ترَوْن إلا الوجه الآخر، أو ترَوْن الحسن فتجعلونه قبيحًا.
شكرًا أيها الأعداء! فأنتم سخّرتم ألسنة تدافع عن الحق وتنحو إليه ويستثيرها غمطكم؛ فتنبري مدافعة مرافعة..
لولا اشتعالُ النار فيما جاورت ....... ما كان يُعْرَفُ طِيب عَرْف العودِ
شكراً..
شكرًا...
أيها الأعداء! فأنتم ذوو الفضل -ولو لم تشاؤوا- في صناعة قدر من الاتزان والعدل في الفكرة.
ولربما أعطى الإنسان بعض الحق فوق قدره؛ فكنتم السّبب في إحكام التوازن، ودقّة التّصويب والمراجعة.
ولا يأخُذَنّكُم الغضب من الإعراض؛ فإنّ المرء إذا دخل في المرادّة حرم نفسه فائدة النّظر والتأمّل,
وانهمك في غمرة الردّ والصدّ؛ فلم يبق في نفسه موضع للهدوء والتّأني.. والتّدقيق في قول
المخالف؛ فلعلّ فيه محلاً للصّواب ولو قلّ..
شكرًا أيها الأعداء!
فأنتم من شحذ الهمّة, وصنع التّحدي, وفتح المضمار, وشرع السّباق؛ ليصبح المرء شديدَ الشُّح
بنفسه, كثيرَ الحَدْب عليها, حريصًا على ترقّيها, وتحرّيها لمقامات الرفعة والفضل.. والتنافس سنة
شرعية, وقدر رباني (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).
وشرف المنافسة هو بشرف الأسلوب ونقاء الغَرَض, وصِدق الوسيلة, وطهارة الجيْب!
شكرًا أيها الأعداء.
فأنتم مَن درّبنا على الصّبر والاحتمال ومقابلة السّيئة بالحسنة والإعراض.
شكرًا أيُّها ا لأعداء !! فلعلّ في الميزان من الحسنات ما لم تنشط النّفس لتحصيله من الخير والعمل الصّالح، لكن بالصّبر والتجمّل والرّضا والمسامحة والعفو..
أخيراً
لا نملك إلا أن نقول لهم :
أستمروا بعدائكم حتى نستمر بنجاحنا و سنكيل لكم الشكر في كل مرّه نقطف فيها ثمرةً من
ثمرات النجاح .
مما راق لى
هناء
tty