أنا واللهِ من قلبي أُحبُّكَ يا رسولَ اللهْ ...
وليسَ الحبُّ مفروضًا بأمرٍ جاءْ ...
وما حبي أكاذيبًا ولا أهواءْ ...
أنا قد جئتُ للدنيا غريبًة ..كلُّنا غرباءْ...
تتوقُ نُفوسُنا الظمأى ..لنبعِ الماءْ...
وكانَ الكونُ مُعتلاً ..ولا أملٌ بأيِّ شِفاءْ ...
وكانَ الكونُ من قبلِكْ ..يَهيمُ كبطَّةٍ عرجاءْ ...
طبيبًا جئتَ للدنيا تُشخِّصُ بالقلوبِ الداءْ ...
فأنتَ البَلسَمُ الشافي بكلِّ دواءْ...
وإنْ كانتْ جميعُ الناسِ أكفاءً فأنت هنالِكَ استثناءْ...
فلا قبلَكْ .. ولا بعدَكْ ..ولا أحدٌ يُضاهيكَ ..
من الأزلِ ..إلى ما شاءْ ...
وأحببتُكْ ..وليسَ الحبُّ مَكرُمةً ..ولا مِنَّةْ ..
ولا خوفًا من النارِ ..ولا طمعًا بفردوسينِ في الجنَّةْ ..
وليسَ لأنَّهُ فرضٌ ..وليسَ لأنَّهُ سُنَّةْ...
ولكني أُحبُّكَ يا رسولَ اللهْ...
حبيبًا لي ..صديقًا لي ..قريبًا لي ..
ولو بُحتُ ..بأسراري تُصدقُني ؟
أنا المكروبة..وكُلِّي في الحياةِ عيوبْ...
وعمري مُنذْ أتيتُ ذنوبْ ...
وأخطائي بلا حدِّ ..وزلاتي بلا عَدِّ ..
وإخلاصي ...مَثارَ الشكِّ والنقدِ...
وأُكرهُ بعضَ أحيانٍ ..على الذنبِ الذي حَلَّ ...
أُقوِّمُ دائمًا نفسي ولستُ أرى لها حَلا ...
وأحلامي هنا ماتتْ على عيني وعيشي كلُّهُ ضِيقٌ ...
أنا العبدُة التي دومًا تناجي باكيًة مولاهْا...
ورغمَ الخوفِ والمأساةْ أقولُ لعلَّ آخرتي تُعوِّضُني ...
عن البؤسِ الذي ألقاهْ ....
أنا خائفْة ..فطمئِنِّي بعفوِ اللهْ ...
أنا الخجلانُة من نفسي ومن ربي
فكيفَ الآنَ أدعوهُ وبعدَ دقيقةٍ أعصاهْ
أُحبُّكَ يا رسولَ اللهْ
وكانَ الحُلمُ في عمري أحُجُّ البيتَ .. أعتمِرُ
ستبقى كلُّ أمنيتي أجيئُكَ حاملة عِشقي ومَعصيتي
وعندَ البابْ وأنتَ تُقابلُ الأحبابْ
تُصافحُهم .. وتَحضُنُهم ..
تُقبِّلُهم بكلِّ الحبِّ والترحابْ
وتُعطيهم منَ الرحماتِ ..تعطيهم بغيرِ حسابْ
تَرى دمعي على خدي ...أنا العاصية
وهاهم غلَّقوا الأبوابْ ..وربُّكَ دائمًا توَّابْ
فتشفعُ لي بيومٍ كلُّنا آتيهِ مُنفردًا بلا مالٍ ..
ولا جاهٍ .. ولا أنسابْ ...
صحيحٌ ما رأيتُ النورَ من وجهِكْ ...
ولا يومًا سمعتُ العذبَ من صوتِكْ ...
ولا يومًا حملتُ السيفَ في رَكبِكْ ...
ولا يومًا تطايرَ من هنا غضبي كجمرِ النارْ ...
ولا حاربتُ في أُحُدٍ ولا قَتَّلتُ في بدرٍ صناديدًا من الكفَّارْ...
وما هاجرتُ في يومٍ ولا كنتُ من الأنصارْ...
ولا يومًا حملتُ الزادَ والتقوى لبابِ الغارْ ...
ولكنْ يا نبيَّ اللهْ ...أنا واللهِ أحببتُكْ
لهيبُ الحبِّ في قلبي كما الإعصارْ...
فهل تَقبلْ ؟
حبيبي يا رسولَ اللهِ ..هل تقبلْ؟
نعم جئتُ ..هنا متأخرًة جدًّا
ولكنْ .. ليس لي حيلةْ ولو كانَ ..
قدومُ المرءِ حينَ يشاءْ لكنتُ رجوتُ تعجيلَهْ ...
وعندي دائمًا شيءٌ من الحيرةْ ...
فمَن سأكونْ أمامَ الصَّحْبِ والخِيرةْ ...
فما كنتُ ..
أنا "أنسَ" الذي خدمَكْ ولا "عُمرَ" الذي سندَكْ ..
وما كنتُ .."أبا بكرٍ" وقد صدَقَكْ ..
وما كنتُ .."عليًّا" عندما حَفِظَكْ ..
ولا "عثمانَ" حينَ نراهُ قد نصرَكْ ..
ولم أسمعْ "بلالاً" لحظةَ التكبيرْ ..
ولا جسمي انشوى حيًا بصحراءٍ بكلِّ هجيرْ ..
وما حطَّمتُ أصنامًا ولا قاتلْتُ في يومٍ
جنودَ الكفرِ والتكفيرْ ...
وما قُطِعَتْ يدي في الحربْ ..
ولم يدخلْ هنا رمحٌ إلى صدري يَشُقُّ القلبْ ..
ولم أُقدِمْ على شيءٍ ..ولم أهربْ ...
ولا يومًا حَملْتُ لواءْ ..ولا واجهتُ في شَممٍ ...
ولكنْ يا رسولَ اللهْ ...
أنا نفسي لحبِّكَ يا رسولَ اللهْ
وحبِّ اللهِ تَوَّاقَةْ
أُحبُّكَ يا رسولَ اللهْ
وليسَ الحبُّ تعبيرًا عن التقوى أو الإيمانْ ...
وليسَ لأنني المسلمْة..وليسَ لأنني الولهانْة...
وليسَ لأنني عبدٌة ..ومأمورٌةمن الرحمنْ...
فحبُّكَ داخلي نوعٌ من الظمأِ ..من الحرمانْ...
أنا الماءُ ..على شفتي ودومًا في الهوى ظمآنة...
أحبُّكَ يا رسولَ اللهْ..
أحبُّ محمدَ الإنسانْ..
أحبُّ محمدَ العدلَ..
طليقَ الوجهِ إذْ يعفو..
أحبُّ محمدَ الصادقْ ..إذا ما قالْ..
أحبُّ محمدَ البرَّ ..بكلِّ الناسِ..
يُعطيهم بغيرِ سؤالْ..
أحبُّ محمدَ الأخلاقْ..
أحبُّ محمدَ الإشفاقْ..
أحبُّ محمدَ الجارَ الذي يُكرِمْ..
أحبُّ محمدَ الأبَّ الذي يحنو..
أحبُّ محمدَ الميثاقْ..
أحبُّ محمدَ الزوجَ الذي يَعدِلْ كما الميزانْ ..
أحبُّ محمدَ المكسورَ للخالقْ..
أحبُّ محمدَ الطاهرْ.. الصابرْ
أحبُّ محمدًا في الغارِ ينتظرُ ..
هنا جبريلْ وغيثَ بكارةِ التنزيلْ..
وأوَّلَ أحرُفٍ جاءَتْ من الترتيلْ ..
وتقديسًا له قد جاءَ في القرآنِ .. والتوراةِ .. والإنجيلْ
أحبُّ محمدًا طفلاً
بصدرِ "خديجةٍ" يبكي من الخوفِ تُدثِّرُهُ خديجتُهُ
بدمعِ الحبِّ والتدليلْ ...
أحبُّ محمدَ الأوابْ
و"فاطمةٌ" ترُدُّ البابْ وتشكو لو "عليٌ" غابْ
تُطمئنُها... وألمحُ فوقَ ركبتِكَ
هنا "الحسنَ" وذاكَ "حُسينْ" كلؤلؤتينْ
وفي رِفقٍ حملتَهما ..حضنتَهما ..وقبَّلتَ عيونَهما ..
وشعرَ الرأس .. والكفينْ...
كأنَّ فراقَكم آتٍ ..وأنتَ تراهُ في الغيبِ كرؤيةِ عينْ ..
وجبريلٌ يَمُدُّ يديهِ في شغفٍ ..
ويَمسحُ فوقَ خديكَ دموعَ البينْ..
وأصحابُكْ .. وأحبابُكْ قناديلٌ مُعلقةٌ بكلِّ سماءْ..
ودمعُ الناسِ حباتٌ من اللؤلؤْ موزعةٌ على الأرجاءْ..
وصوتُ الحقِّ في قلبِ المحبينَ كترتيلٍ ..
وهمسِ دعاءْ
هنا يبكي "أبو بكرٍ"
ويرتجفُ ..هنا "عثمانْ"
"عليٌ" يدخلُ القاعةْ ويقرأُ سورةَ الرحمنْ
وتُخضِعُ نفسَهُ الطاعةْمع الإيمانْ
وصوتُ "بلالْ"يَهُزُّ جِبالْ
وصدرُ الناسِ يرتجفُ ..من الأهوالْ...
و"مكةُ" مثلُ قديسةْ تفوحُ بحكمةٍ وجلالْ...
وعبدٌ يَكسرُ الأغلالْ ..وبذرةُ أُمَّةٍ زُرِعَتْ
فينبُتُ نورُها في الحالْ...
ووجهُكَ يا حبيبَ اللهِ كالبدرِ بكلِّ كمالْ ...
نبيٌّ يرفعُ الرأسَ بكلِّ خشوعْ..
وفي عينيهِ لؤلؤتانِ قد فاضا أسىً ودموعْ..
وفي الخلفِ ..ألوفٌ سُجَّدٌ وركوعْ...
ملائكةٌ من الرحمنِ قد جاءَتْ تُطمئنُ قلبَكَ المفجوعْ...
وصوتُ اللهْ يرُجُّ الكونَ أسفلَهُ ..
ومن أعلاهْ
أنا الواحدْ
أنا الواجدْ
أنا الماجدْ
فسبحانَ الذي بِعُلاهْ
وللديانِ قد جئنا حفاةً كلُّنا وعُراةْ...
كأفراخٍ بلا ريشٍ كطفلٍ ضائعٍ بفلاةْ...
نُفتشُ عنكَ في هلعٍ
ونصرخُ : يا رسولَ اللهْ
أجِرْنا من عذابِ اليومِ
وارحمنا ..من الهولِ الذي نلقاهْ
وأنتَ أمامَنا تقفُ نبيَّ الرحمةِ المهداةْ...
وتطلبُ منهُ أن يعفو ..وأن يغفرْ...
فهذا الوعدُ من ربي ..فيا رُحماهْ...
فها نحنُ ..وقفنا كلُّنا نبكي أمامَ اللهْ...
أنا لا شيءَ أملكُهُ
ولا شيءٌ سيُدركُني وأُدركُهُ
سوى أملي ..لعلَّ العفوَ يَشملُني
بحبِّكَ يا رسولَ اللهْ