اخطاء بعض المصلين اخطاء المصلين في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة : تتعدّد أخطاءُ النّاس من أوّل دخولهم المسجد يوم الجمعة ، ومن الأخطاء الشائعة في صلاة تحية المسجد ما يلي : 1. جلوس بعض المصلين دون أداء صلاة تحية المسجد ، خصوصاً إنْ جاء متأخّراً ، والإِمام يخطب . جاء عند البخاري ومسلم وغيرهم بالفاظ مختلفة إنكارالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب للجمعة لما رأى رجلاً قد جلس ، ولم يفعل ما هو مشروع من تحية المسجد ، أمره بركعتين ، فقال : ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة ، والإمام يخطب ، فَلْيَرْكع ركعتين ، وَلْيَتَجوَّزْ فيهما)) (1). أي : إنَّ خطبة الإمام ، والاستماع لها ، غير مانعين من تحيّة المسجد ولعل هذا الفريق يستدل بما روي عن ابن عمرو مرفوعاً : ((إذا صعد الخطيب المنبر ، فلا صلاة ولا كلام)) !!
ولكنه حديث باطل ، أخرجه الطبراني في ((الكبير)) وفيه ((أيوب بن نهيك)) (2).
وهو ـ مع ضعف إسناده ـ يخالف الحديث السابق ، إذ هو (صريح بتأكد أداء الرّكعتين ، بعد خروج الإِمام ، بينما هذا الحديث ينهى عنهما !!
فمن الجهل البالغ أن ينهى بعضُ الخطباء عنهما مَنْ أراد أن يصليهما ، وقد دخل ، والإِمام يخطب ، خلافاً لأمره صلى الله عليه وسلم ، وأني لأخشى على مثله أن يدخل في وعيد قوله تعالى :{ أَرَءَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى } (3).
وقوله : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (4).
ولهذا قال النووي ـ رحمه الله : ((هذا نص لا يتطرق إليه التأويل ، ولا أظن عالماً يبلغه ويعتقده صحيحاً ، فيخالفه)) (5) .
والحديث السابق يدلّ بمفهوم قوله : ((والإمام يخطب)) أن الكلام والإمام لا يخطب ، لا مانع منه . ويؤيّده : جريانُ العمل عليه في عهد عمر ـ رضي الله عنه ـ كما قال ثعلبة بن أبي مالك : ((إنهم كانوا يتحدّثون حين يجلس عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ على المنبر ، حتى يسكت المؤذّن ، فإذا قام عمر على المنبر ، لم يتكلم أحد حتى يقضي خطبتيه كلتيهما)) (6).
فثبت بهذا أن كلام الإمام هو الذي يقطع الكلام ، لا مجرّد صعوده على المنبر ، وأن خروجه عليه ، لا يمنع من تحية المسجد ، فظهر بطلان حديث الباب ، و الله تعالى الهادي للصّواب)) (7).
قال الحافظ ابن حجر : ((قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في ((شرح الترمذي)) : كل مَنْ نقل عنه ـ يعني من الصحابة ـ منع الصّلاة ، والإمام يخطب ، محمول على مَنْ كان داخل المسجد ، لأنه لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحيّة، وقد ورد فيها حديثٌ يخصّها ، فلا تترك بالاحتمال)) (8).
قال الإِمام الشافعي : ((نقول ونأمر مَنْ دخل المسجد ، والإِمام يخطب ، والمؤذّن يؤذّن ، ولم يصلّ ركعتين ، أن يصليهما ، ونأمره أن يخففهما ، فإنه روي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتخفيفهما )) (9).
وقال أيضاً : (( وسواء كان في الخطبة الأولى أم في الآخرة ، فإذا دخل ، والإمام في آخر الكلام ، ولا يمكنه أن يصلّي ركعتين خفيفتين ، قبل دخول الإِمام في الصلاة ، فلا عليه أن يصلّيهما ، لأنه أمر بصلاتهما حيث يمكنانه، و حيث يمكنانه مخالف لحيث لا يمكنانه . وأرى للإِمام أن يأمره بصلاتهما ، ويزيد في كلامه ، بقدر ما يكملهما ، فإن لم يفعل الإِمام كرهت ذلك له ، ولا شيء عليه)) (10).
2. وبعضهم يجلس عند دخوله المسجد ، حال الخطبة الأولى ، فإذا جلس الخطيب ، قبل شروعه في الثّانية ، قام ، وصلّى التحيّة [ بين الخطبتين ].
وهذا جهل ومخالف لقوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة ، والإِمام يخطب ، فليركع ركعتين ، وليتجوز فيهما)) (11).
3. وبعضهم يأتي ، بعد جلوس الخطيب ، على المنبر ، والمؤذّن يؤذّن الأَذان الثاني ، فلا يدخل في صلاة التحية مباشرة ، وإنما ينتظر حتى ينهي المؤذّن الأذان ، ويشرع الخطيب في خطبة الجمعة ، فيحرم بصلاة التحيّة .
وهذا خطأ ، لأن الاستماع إلى الخطبة فرض ، وإجابة المؤذّن سنة .
والله تعالى أعلم .
من كتاب القول المبين في أخطاء المصلين للشيخ / مشهور حسن بتصرف وإضافة .
المراجع :
(1) البخاري في الصحيح (2/407، 412) ، مسلم في صحيحه (2/597) من حديث جابر .
(2) كما في ((مجمع الزوائد)) : (2/184) وفيه : ((فيه أيوب بن نهيك وهو متروك ، ضعفه جماعة)) وقال البيهقي في ((السنن الكبرى)) : (3/193) : ((رفعه خطأ فاحش)) . وأقرّه الزّيلعي في ((نصب الراية)) : (2/201) . وقال أبو حاتم في أيوب : وهو ضعيف الحديث . وقال أبو زرعة : لا أحدث عن أيوب بن نهيك ، ولم يقرأ علينا حديثه ، وقال : هو منكر الحديث . أنظر : ((الجرح والتعديل)) : (1/1/259) و ((فتح الباري)) : (2/409) و ((سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة)) : رقم (87) .
(3) سورة العلق : آية رقم (9 ـ 10) .
(4) سورة النور : آية رقم (63) .
(5) شرح النووي على صحيح مسلم (6/164) وفتح الباري : (2/411) .
(6) أخرجه مالك في ((الموطأ)) : (1/126) والشافعي في ((الأم)) :(1/175) والطحاوي : (1/217) وابن أبي حاتم في ((العلل)) : (1/201) . قال النووي في ((المجموع)) : (4/220) : ((وحديث ثعلبة صحيح ،رواه الشافعي في ((الأم)) بإسنادين صحيحين)) !! . كذا قال ، وهو يعني طريق ابن أبي فديك ومالك عن ابن شهاب ، وهذا اصطلاح خاص بالنووي ، انتقده ابن حجر العسقلاني وغيره ، لما فيه من الإيهام لمن لامعرفة له ، أن له طريقاً أخرى عند الشافعي عن ثعلبة ، وهو خلاف الواقع ، فإنه عن ابن شهاب وحده . وتابع ابن شهاب : يزيد بن عبدالله ، كما عند : ابن أبي شيبة في ((المصنف)) : (2/124) وإسناده صحيح . وانظر : ((تمام المنّة)) : (ص339 ـ 340)0 و ((التلخيص الحبير)) : (2/61) .
(7) ما بين الهلالين من كلام الشيخ الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) : (1/123ـ124) .
(8) فتح الباري : (2/411) .
(9) الأم : (1/227) . وهذا مذهب الحسن وابن عيينة والشافعي وأحمد وإسحاق ، قال البغويفي ((شرح السنة)) : (4/266) والنووي في ((شرح مسلم)) : (6/164) .
(10) الأم : (1/227) .
(11) مضى تخريجه ، ونبه على هذا الخطأ ابن حجر فيما نقله عنه تلميذه السخاوي في ((الجواهر والدرر)) .