إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ،
مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ،ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ،
وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ،
ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
حسن الاستعداد من شعبان للفوز في رمضان
من يتابع حركة الأسواق، أو يقوم بزيارة محلات الأغذية يجد الاستعداد لرمضان يسير على قدم وساق، بتوفير ما لذ وطاب من الأطعمة خاصة مع دخول شهر شعبان، ويتغافل الناس عن حسن الاستعداد لشهر رمضان، ولا يهتم الكثيرون بحسن الإعداد و جودة التهيئة من شهر شعبان لاستقبال الضيف الكريم.
من نعم الله علينا:
ومن فضل الله علينا ورحمته بنا أنه أرشدنا لمواسم الخيرات، وبين أنه قد فضل بعض الأيام على بعض، وفضل بعض الليالي على بعض، ثم أرشدنا ودلنا على ذلك لنغتنم الفرصة، ونستثمر هذه المواسم في التنافس للخيرات، والمسارعة إلى الطاعات و الإكثار من عمل الصالحات، والتقرب إلى الله تعالى بالعبادات والفرائض والنوافل التي افترضها علينا، وأرشدنا إليها حبيبنا وقدوتنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ها هو سبحانه وتعالى يسعد قلوبنا ويمنحنا فرصة عظيمة نتقرب بها إليه، ونبعد أنفسنا عن المعاصي والمنكرات، ونحصل على الأجر ومغفرة الذنوب ورفع الدرجات، وذلك بالاستعداد من الآن لشهر الخيرات.
عطايا متجددة:
فالله عز وجل يعطينا فرصا عديدة لنتوب ونعود إليه، ويتفضل على العباد بنفحة جديدة مباركة طيبة هي فرصة جديدة لمحو الذنوب وغسل الخطايا ورفع الدرجات، ففي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً"رواه الطبراني وحسنه الهيثمي في المجمع 10/231.
فبعد شهر من الآن، ومع دخول شهر شعبان، يهل علينا شهر رمضان، وهو أفضل شهور العام بتفضيل الله تعالى له، وهو يزهو بفضائله على بقية الشهور، وتجتمع فيه خصائص لا تتوفر في غيرة من سائر شهور السنة. تفتح فيه أبواب الرحمات، وتتزين فيه الجنات، و تغل مردة الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.
فشهر هذه مميزاته وتلك صفاته فلا بد أن نحسن استقباله، ونستعد له من أول ما يدخل شهر شعبان، بل وبعض المجتهدين يستعد له من شهر رجب، ويدعو الله تعالى أن يبارك لنا في رجب وشعبان ويبلغنا رمضان، كما ورد في حديث رواه البيهقي في الشعب ولكنه ضعيف جدا، كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب دعا الله أن يبلغه شهر رمضان فيقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبَلِّغنا رمضان".
التهيئة المعنوية أهم:
ولذلك يحسن بنا أن نستعد لشهر رمضان منذ دخول شهر شعبان، و لكن لا يكون ذلك بتوفير أغذية للبطون فقط، بل لا بد من الاهتمام بالقلوب، وتهيئة الأبدان، وحسن الاستعاد للأرواح، فنجمع بين التهيئة المعنوية والمادية، بل ونهتم أكثر بالتهيئة المعنوية الروحية؛ و ذلك بالتقرب إلى الله تعالى بفعل الطاعات، والحرص على أداء العبادات المفروضة و التقرب إلى الله عز وجل بالنوافل المسنونة، والسير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك التقرب إلى الله تعالى بصيام التطوع في شهر شعبان.
فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الصيام في شهر شعبان، لأن هذا الشهر يغفل الناس عن صيامه، لأنه يأتي بين شهر الله الحرام رجب وشهر رمضان ، فشهر شعبان كان له مكانة كبيرة ومنزلة خاصة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لفضل هذا الشهر فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ، فقال: "ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " رواه النسائي، وحسنه الألباني.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان " رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم: " كان يصوم شعبان إلا قليلا " ، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: "ما علمته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - صام شهرا كله إلا رمضان" وفي رواية له أيضا عنها قالت: "ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان ".
فوائد الصوم في شعبان:
بعض الناس يشعر بالصداع أو الإرهاق إذا صام من بداية رمضان ولم يتأهب للصيام من شعبان، فلصوم في شهر شعبان إضافة إلى أنه فيه اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أيضا كالتمرين للنفس، و كالتدريب للجسم، وكالتعويد على صيام رمضان لئلا يصعب علينا صوم رمضان ونشعر بالمشقة والتعب، بل يكون المسلم قد تمرن على الصيام، واعتاده فيدخل رمضان بقوة ونشاط وحيوية، مع حسن الإقبال على الطاعة، و ينجح في تقوية الإرادة، ويحقق الهدف من الصيام ويصل للثمرة المرجوة وهي التقوى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"البقرة 183.
وكذلك ينبغي تهيئة النفوس بالإكثار من عمل الصالحات في شعبان: فرمضان شهر القرآن، فلا بد من تعويد النفس على القراءة اليومية من الآن، ورمضان شهر البذل والصدقة والإنفاق، فهل ندرب أنفسنا عليها قبل دخول رمضان، ورمضان شهر التراويح والقيام فلا بد من الاستعداد ببعض الركعات من الآن، مع المحافظة على أداء الصلوات في الجماعات، والحرص على التبكير وإدراك تكبيرة الإحرام والتزاحم على الصف الأول، واستثمار الوقت ما بين الآذان والإقامة في الدعاء وقراءة القرآن، وفي الحرص على هذه الطاعات تدريب وتعويد للنفس وتهيئة لها كي تزداد اجتهادا في رمضان، بهذه الأعمال الصالحة، فلا يشق عليها التنافس في الخيرات، والحرص على الطاعات، وينال المسلم بذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل.
وكل إنسان يحرص في هذه الدنيا يحرص على تحقيق النجاح، والوصول لأعلى المراتب، وأرفع المناصب، وبعض الناس يحسن الاستعداد لتحصيل الشهادات، ويجتهد في المذاكرة وحسن التهيئة للاختبارات، ليحقق النجاح في الأمور الدنيوية، فهل نغفل عن الأعمال التدريبية اليسيرة قبل رمضان، حتى ننجح في تغيير أنفسنا للأفضل و نحرص على إعمار الآخرة بهذه الأعمال الصالحة التي تنفع عند سؤال القبر، وتصلح:" يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) سورة الشعراء88.
آخر تعديل سمراء الرافدين يوم
12 - 6 - 2014 في 11:22 AM.