تلك الكلمة القليلة الحروف العميقة المعنى
\nتلك الصّفة التّي من نالها نال سعادة الدّنيا والآخرة
\nومرتبةٌ تعتبر لبّ الإيمان ، وروحه وكماله ، وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل :
\n( الإسلام والإيمان والإحسان )
ومن ضمن الأشياء التّي تشملها هذه الكلمة هو ما ورد في الحديث الصّحيح
\nالذّي يضع حدوداً راقية للتّعامل مع الخلق كلّهم
\nحين قال النّبي صلّى الله عليه وسلم
\n( من حسن إسلام المرء تركهُ ما لا يعنيه ) حديث صحيح
وهذا الحديث أحد أعمدة الآداب الإسلامية ؛ فقد قال العلماء
\nأن جِماع آداب الخير و أزمّته تتفرّع من أربعة أحاديث :
\n1ـ ” من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيراً أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره !
\n
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ” رواه البخاري ومسلم .
2 .” من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ” حديث حسن رواه الترمذي وغيره .
3 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنّبي صلّى الله عليه وسلّم : أوصني
\nقال صلّى الله علية وسلم ” لا تغضب ” فردّد مراراً قال ” لا تغضب ” رواه البخاري
\n4 ـ لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه ” رواه البخاري ومسلم
\nفهذا الحديث دعوةٌ راقيةٌ لــ ( فن التّعامل ) مع النّفس والآخرين
\nوقد أرشدنا فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، إلى الطّريق الذّي يبلغ به العبد كمال دينه ، وحسن إسلامه ، وصلاح عمله ،
\nفبيّن أن ممّا يزيد إسلام المرء حُسناً وكمالاً لإسلامه ، أن يدع ما لا يعنيه ولا يُفيده في أمر دنياه وآخرته
\nفــ لا يضرّ نفسه بالإساءة لها بارتكاب المحرّمات لأنّها لا تعنيه
\nولا يؤذي الآخرين بالتّعدي عليهم في القول والفعل
\nويبتعد عن التّدخل في شؤونهم بلا داعي ( اللقافة ) بالّلهجة العامّيّة !
\n●● فــ يترك
\nفُضول الكلام ، ولغو الحديث ؛ لأنه يتعلق بجارحة خطيرة ، ألا وهي جارحة الّلسان
\n( وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ" أَوْ قال: "عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِى النَّارِ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ) حديث صحيح
\nفالغيبة والنميمة والبهتان كلّها لا تعنيه وتُثقله بأوزار عظيمة
\n{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ } النساء114
\nوكم هناك من ألسنةٌ تلوكُ لحوم البشر بلا حسيب ولا رقيب !
\nهذه ذهبت وتلك فعلت والأخرى طلّقها زوجها لأنّها كذا وكذا !
\nوذاك إنسان بخيل والآخر حقير والثالث كذّاب والرابع سمعته سيّئة !
\n●● وكذلك نشر الإشاعات والأكاذيب وعدم التثبّت فيما ينقل فهذا مما لا يعني المُحسِن
\n{ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ } النساء 83
\nوهذا ما نراه ونسمعه خاصّةً مع سهولة تواصل العالم عبر الشّبكة العنكبوتية
\nفلا نسمع إلا خبر عاجل !
\nوشاهدوا آخر الفضائح !
\nوانظروا ماذا يحدث وراء السّتائر !
ونسي هؤلاء أن ( من ستر مُسلماً ، ستره الله في الدّنيا والآخرة ) حديث صحيح
\nوغفلوا عن حديث ( رأيتُ رَجُلينِ أتياني ، قالا الَّذي رأيتَه يشقُّ شِدقُه فَكذَّابٌ ،
\nيَكذِبُ بالكذِبَةِ تُحمَلُ عنهُ حتَّى تبلغَ الآفاقَ ، فيُصنعُ بِه إلى يومِ القيامةِ ) حديث صحيح
\nوهذا مثاله ما يحدث في عالم الشّبكة العنكبوتية اليوم
\nفيكتب أحدهم قولاً أو خبراً كاذباً أو فضيحة فيها كذب وبهتان ؛ فيصل للآفاق في ثواني !!
●● وكذلك الحسد والبغضاء وعدم حبّ الخير لأخيه المسلم ،
والسّبّ والشّتم والسّخرية لا تعني المحسن فلا يفعلها
\n{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ
\nوَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } الحجرات11
- ولنشاهد كم وكم تدور النّكت التي تسخر بجنس أو قبيلة أو مدينة أو شعب !
\nولعل هؤلاء خيرٌ من الذّين سخروا عند الله وهم لا يعلمون
\n- والبعض يحسدون النّاس على ما أتاهم الله من فضله
\nونسوا أن الله كتب لكلّ إنسان رزقه قبل أن يخلق السّموات والأرض بخمسين ألف سنة
\nفلن يزداد رزقهم مثقال ذرة ؛ حسدوهم أم لم يحسدوهم !
- ومن النّساء من لا تبذل المعروف والخير لغيرها لتبقى هي المتميّزة الأفضل بين قريناتها
\nكما يحدث عندما تطبخ طبقاً مميّزاً ؛ ثمّ تُسأل عن الطّريقة فلا تبوح بها !
\nأو محلاً اشترت منه أغراضاً جيّدة أو قماشاً فلا تخبر عن مكانه !
\nولعلّ هذا يدخلها في الكِبْر عندما تحرص دائماً أن تكون وحدها الأفضل والأحسن و ..و .. و .. !
\nولا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر!
\nونسيت أنّ : خير النّاس أنفعهم للنّاس !
\n●● والمحسن يترك كثرة الأسئلة والاستفسار عن أشياء لا تعنيه وبلا داعي
\nفقد نُهينا عن هذا في الحديث ( وكره لكم : قيل وقال ، وكثرة السّؤال ، وإضاعة المال ) صحيح
\nومعنى ( وكَرِهَ لكم قيل وقال ) هو النّهي عن حكاية أقوال النّاس ، والبحث عنها ليخبر غيره ،
\nفيقول : قال فلان كذا وقيل لفلان كذا
\n( وكثرة السّؤال ) يشمل كل أنواع السّؤال ، فيدخل فيها سؤال المال لنفسه من غير حاجة ، والسّؤال عما لا يعنيه
\nفكم تُحرِج بعض النّساء غيرهن في أسئلة تعصرهن عصراَ ولا يجدن سبيلاً للفكاك منها !
\n- لماذا تزوج زوجك عليك ؟
\n- لماذا لم تنجب ابنتك ؟
\n- لماذا لا تغيرون أثاثكم القديم ؟
\n- لماذا لا يأخذك زوجك للنزهات ويسافر بكِ هنا وهناك ؟
\n- كم راتبك ؟ كم عمرك ؟ كم وزنك ؟ كم وكم !!
\n●● والمُحسن يشتغل بما يعنيه ويُفيده ويجلب له الخير في الدّنيا والآخرة بما ينفعه وينفع إخوانه
\nويترك فضول النّظر، لما في التّطلّع إلى متاع الدّنيا من إفساد للقلب
\nفلا ينظر للدّنيا وينشغل بها وإلى متاعها من المآكل والمشارب والبيوت والفتن المتنوّعة
\n{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } ط31
\nفلا يكون تفكيره الدّائم في ليله ونهاره في البحث والتطلّع لزهرة الدّنيا
ونرى بعض النّساء كلّما سمعت عن افتتاح محل جديد كانت سبّاقة له
\nوكلّما رأت تخفيضاً لأشياء ربّما لا تحتاجها سارعت بشرائها
\nتقضي أوقاتها متسكّعةً في الأسواق أو في مجالس تافهةَ أو على الهاتف أو الشّبكة العنكبوتية
\nولا تحصِد إلا ضياع عمرها ووقتها وتشتّت قلبها وفكرها هنا وهناك
\nولا تترك شاردةً أو ورادةً عند أقرانها إلا سألت واستفسرت عنها
\nمن أين اشتريتها ؟ وكم سعرها ؟ وهل انتهت الكمية ؟
\nفنرى منزلها وملابسها وأدواتها معارضاً لكل شيء !
\nفارغةً من كلّ شيء إلا الدنيا !
\n{ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } الروم7
\nنسأل الله السلامة والعافية
●● والمُحسِن يترك فضول الظّنون بالقلب والحكم على النّاس وعلى نواياهم
\nوتصنيفهم حسب ما يراه من ظاهرهم إلى صالح وتقيّ وفاسق
\nفهذا مما لا يعنيه ولم يؤمر أن يشقّ على قلوب البشر
وكم من النّاس يحكمون على نيّات النّاس بغير دليل بناء على سوء ظنٍّ يُلقيه الشّيطان في قلوبهم !
\n- هي قالت كذا لتُحرجني فقط وتنقص قدري أمام النّاس !
\n- هي جاءت لمنزلي لتهتك ستري وتتحدث عنّي أمام أعدائي !
\n- وهذه لم تعطيني تلك الهدية لوجه الله بل غرضها كذا وكذا !
\n●● والمُحسن لا يغترّ بثناء النّاس عليه ؛ فيحسن ولا ينتظر الثّناء إلا من الله وحده
\nولا يُزكي نفسه فهذا لا يعنيه ؛ والله أعلم بالنّفوس
\nوتزكيتها يعود بالوبال عليه لأنّه يُدخله في العُجب – والعياذُ بالله -
\n{ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } النجم32
- كما يقول بعضهم : أنا أقوم الليل بكذا ركعة وهم لا يُصلّون
\n- أنا أصوم وأتصدّق وهم لا يفعلون !
\n- لدرجة أن بعض النّساء تحتقر زوجها المقصّر في أمور دينه
\nوترى نفسها أرفع منزلة عند الله منه !
\nوتفكّر في نفسها : هل سيكون معي في الجنة يوم القيامة ؟!
\nأي تزكيّة هذه ؟ وهل أخذت صكّاً مختوماً من الله بقبول أعمالها حتى تزكّي نفسها هكذا ؟
\nولعلّ زوجها أعلى مكانة عند الله بانكسار قلبه وندمه على أحواله !
\n● ونسي هؤلاء جميعاً أن الميزان هو ميزان الله وليس ميزان البشر
\nوالحساب بيد الله وليس بأيدي البشر
\nوسيحاسبهم على كل شاردةٍ وواردة ؛ ولا يظلم ربّنا مثقال ذرّة
\n{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } النساء40
فكم ستؤخذ من هؤلاء حسنات بذلوا الجهد والوقت لجمعها ؟
\nوتُعطى لكلّ من اغتابوهم أو سخروا منهم أو شتموهم أو ظلموهم حتّى لو بكلمة !
\nفيعودون صفر اليدين لا يملكون حسنةً واحدةً تنفعهم في أخراهم
وقد ذُكرت امرأة لأحد المشايخ صائمةً قائمةً ؛ ولكنها تغتاب جيرانها !
\nفقال : هي امرأة سخرّها الله لغيرها لتجمع لهم الحسنات بلا عناء !
● وبهذا فإن المُحسن الذّي يترك ما لا يعنيه هو من لا يرى ما يضرّه ولا يسمع ما يضرّه ولا يتكلم إلا بما ينفع
\n{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } الإسراء 36
\n● وبعض النّاس يفهمون ترك ما لا يعني خطأً
\nفيتركون أموراً قد دلّت عليها الشّريعة ، بدعوى أنّها تدخّل في شؤون الآخرين !!
\nفــ لا يقدمون النّصيحة للآخرين ، ويتركون ما أمرهم الله به من الأمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر ،
\nبحجّة احترام الخصوصيات !!
\nوكلّ هذا خطأٌ في الفهم ؛ ومخالفٌ للشرع ، وابتعادٌ عن هدي النبوة ؛
\nلأن ترك ما لا يعني هو حسب ما يقرّره الشرع ، لا لمجرد الهوى والرأي ،
فإنه صلّى الله عليه وسلّم كان تاركاً لما لا يعنيه ، ومع ذلك كان ناصحاً مرشداً ،
\nآمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، عاملاً بأمر الله في كلّ أحواله
( الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك ) متفق عليه
\nفيعبد الله مُستحضراً قُرب الله منه واطّلاعه عليه ومراقبته لأحواله
\nوترك كلّ ما لا يعنيه في الإسلام ، واشتغل بما يعنيه فيه
\nفيصل بهذا لدرجة الاستحياء من الله ويترك كلّ ما يُستحيا منه
\nفإذا تكلّم ، يتذكّر سمع الله له ، وإذا سكت ، يتذكّر نظره إليه
\n{ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} الزخرف80
\nوإذا حسن إسلام المرء ، ترك ما لا يعنيه من المحرّمات والمشتبهات والمكروهات ،
\nوفضول المباحات التّي لا يحتاج إليها ،
\nفهذا كلّه من الأمور التّي لا تعني المسلم إذا كمل إسلامه ، وبلغ درجة الإحسان
وكان حذراً من مغبّة التّكلّم فيما لا يعني فخطره عظيم ؛ كما جاء في الحديث
( قبض رجلٌ من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالوا : هنيئًا لك الجنةُ
\nفقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : وما عِلمُكم
\nلعله قد تكلَّم فيما لا يعنيهِ أو منعَ ما لا ينقصُه )
\nإسناده صحيح
\nواستحضار سمع الله ونظره إليه واطّلاعه عليه يوصله للإحسان في كلّ شيء
\nوهي مرتبةٌ رفيعةٌ يسمو بها لرُتب المعالي
\nفينال جزاء الإحسان من المُحسن سُبحانه على إحسانه
\n{ هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } الرحمن60
\n
\nومعناها كما قال ابن عباس :
\nهل جزاء من قال : لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا الجنّة ؟
\nفلنعامل الله بهذا الخلق الكريم ليعاملنا الله المُحسن بما هو أكرم سبحانه
\n{ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يونس26
\n
\n
\n
\nنسأل الله أن يرزقنا هذه المنزلة العالية
\nويعيننا أن نكون ممن يترك ما لا يعنيه
\nطلباً لرضا الله واحتساباً للأجر من ربّ العالمين
\nويمنّ علينا بالفردوس الأعلى في الجنّة
\nاللهم آمين