يُعتبر توماس غينسبورو أشهر من رسم البورتريه
من الفنانين الانجليز. وأحد أشهر
بورتريهاته هو الفتى الأزرق الذي
استنسخ مرّات لا تُحصى. في هذا البورتريه الكلاسيكي يحاول
غينسبورو محاكاة أسلوب الرسّام الهولندي انتوني فان دايك
الذي اشتهر بلوحاته الني يصوّر
فيها ملابس الفرسان التي كانت شائعة
في القرن السابع عشر.
كان غينسبورو مجبا كثيرا بـ فان دايك الذي
كان قد أقام في بريطانيا فترة. ويبدو انه
رسم "الفتى الأزرق" بوحي من إعجابه
ووفائه للرسّام الهولندي. كان أسلوب فان دايك في رسم البورتريه يبرز
أناقة وثراء الشخصيات التي يصوّرها
وكان يبالغ في ارتفاع الشكل وتطويل
الأيدي لإبراز الأناقة والمنزلة
الرفيعة. كما كان يصوّر شخصّياته
بملابس ثمينة وزاهية الألوان.
واللوحة تصوّر جوناثان بوتال
وهو ابن تاجر خردوات
ناجح كان صديقا
لـ غينسبورو.
وقد ألبس الرسّام الشاب ثيابا تعود إلى ما قبل 140 عاما
من ذلك التاريخ. ويظهر جوناثان في اللوحة
وهو يرتدي ثوبا من الساتان الأزرق
المطرّز ويمسك بقبّعة سوداء ويقف
أمام منظر طبيعة ريفية.
ملامح الشابّ ونظراته وطريقة وقوفه
تعطي انطباعا بالجسارة
والثقة بالنفس. كما أن استطالة وجهه
تذكّر بتماثيل عصر النهضة.
وشأن بقيّة لوحاته الأخرى، رسم غينسبورو
الشابّ اعتمادا على ملاحظاته الخاصّة
عن طبيعة الشخصية ومزاجها أكثر
مما كان يعتمد على قواعد الرسم
الأكاديمي المتعارف عليها. ورسوماته إجمالا تتسم بالإثارة والشاعرية.
كما أنها لا تخلو من الأناقة والتلقائية
والدفء الإنساني. وفي بعضها
يظهر تأثّره إلى حدّ ما
بأسلوب روبنز.
ولد توماس غينسبورو لعائلة متواضعة وكان
اصغر إخوته التسعة. ومنذ بداياته،
كان شغوفا برسم الطبيعة فصوّر
الغابات والمراعي
وحياة الريف. ومناظره الطبيعية تتميّز بطابعها التأمّلي
وبتلك المسحة من الحزن
الشاعري الذي تعمّقه طريقته المتفرّدة
في تمثيل الضوء الخافت.
وقد عُرف عن غينسبورو انجذابه
القويّ للموسيقى. وعندما
سافر إلى ايطاليا حرص على الالتقاء
بالموسيقي النمساوي موزارت
حيث ربطتهما في ما
بعد صداقة وثيقة. وفي زمانه كان غينسبورو، مع زميله جوشوا
رينولدز، أفضل رسّامَين في
انجلترا. غير انه كان الرسّام المفضّل
عند أفراد الطبقة الارستقراطية.
وبفضل تعاملهم معه وقربه منهم أصبح
شخصا ثريّا وذا مكانة
اجتماعية مرموقة.
ومن أشهر لوحاته الأخرى بورتريه
إليزابيث شيريدان التي كانت
موسيقية موهوبة وأحد رموز
الارستقراطية الانجليزية آنذاك.
في أحد الأوقات كانت
"الفتى الأزرق"
اللوحة الأكثر شعبية في
الولايات المتحدة.
وقد حدث هذا بعد أن اشتراها ثريّ أمريكي
في عشرينات القرن الماضي
مع لوحة توماس لورنس المشهورة
بورتريه سارة مولتون
أو الفتاة الزهرية. ومنذ ذلك الوقت واللوحتان تُعرضان
جنبا إلى جنب في متحف
هنتنغتون الأمريكي.
ويقال إن إقبال الناس على شراء
نسخ من اللوحتين كان ظاهرة
نادرة الحدوث.
ولأن العنصر المشترك بين العملين
هو طبيعة اللباس الذي ترتديه الشخصيّتان،
فقد كان لذلك تأثير قويّ على لون اللباس الذي
يفضّله الأمريكيون، لدرجة
أن الأزرق أصبح
اللون المفضّل للأولاد والزهري
اللون الذي تفضّله الفتيات.
رسم الفنان توماس غينسبورو على
امتداد سنوات حياته الستّين
حوالي 500 لوحة: 300 منها تتناول
مواضيع الطبيعة و 200 عبارة
عن بورتريهات لأشخاص.