قُلتُ : هـذا قولٌ غريب !
قالت : وما الغرابةُ في ذلك ؟
قُلتُ : ألم تكوني ترفضين الإشرافَ مِن قبل ولا تُحِبِّينه ؟!
قالت : والآن أصبحتُ أُريـدُهُ وأُحِبُّه .
قُلتُ : وما الذي غَيَّركِ وغيَّر فِكركِ ؟!
قالت : لم يُغيِّرني أحـد .
قُلتُ : إذًا ما الذي يجعلُكِ تُريدين الإشرافَ وتُحِبِّينه ؟!
قالت : غَيْـرة .
قُلتُ : مِمَّن تغارين ؟!
قالت : مِن أولئكَ العُضوات اللاتي أصبحن مُشرفاتٍ رغم أنَّهنَّ سَجَّلنَ في المُنتدى في نفس العام الذي سجَّلتُ به أو بعـد تسجيلي بأعـوام .
قُلتُ : وهل العِبرةُ بوقتِ التسجيل ؟!
قالت : لا ، لكنِّي أَغارُ عليهنَّ ، وأُريـدُ أنْ أكونَ مُشرفـةً على أحـدِ الأقسامِ مِثلَهُنَّ .
قُلتُ : أنتِ داعيةٌ بالمُنتـدى ، ولكِ مُهمةٌ ورِسالة ، وتكتبين مواضيعَ قَيِّمةً ومُهِمَّة ، فما الذي سيتغيَّرُ إنْ صِرتِ مُشرفـةً ؟!
قالت : سيكونُ عندي صلاحياتٌ أكثر .
قُلتُ : وهل تضمنينَ أنَّكِ ستستخدمين هـذه الصلاحيات في مكانِها الصحيح ؟!
قالت : لا يَهُمّ ، المُهِمُّ عندي أنْ يتغيَّرَ لونُ مُعرِّفي ، وتزيدَ صلاحياتي .
قُلتُ : يبـدو أنَّ هـذه الفِكرةَ قـد طغت على عقلِكِ .
قالت : أنا الآنَ أُحاوِلُ أنْ أكونَ مُتابِعةً لجميع أقسامِ المُنتدى ، وأَرُدُّ على أكثرِ المواضيع التي تُضافُ بشكلٍ يوميّ ، لترى مُديرةُ المُنتـدى نشاطي ، فتُرشِّحني لأكونَ مُشرفـةً بالمُنتـدى .
قُلتُ : وهل تقرأين كُلَّ هـذه المواضيع ؟
قالت : بالطَّبعِ لا ، أقـرأُ البعضَ ، وأَرُدُّ على البعضِ الآخَرِ دُونَ قِـراءة .
قُلتُ : أَلَا تعلمين أنَّكِ قـد تأثمين بذلك ؟!
قالت : أُشَجِّعُ العُضواتِ وآثَم ؟!
قُلتُ : نعم تأثمين ؛ لأنَّكِ تنظرين لمصلحتِكِ فقط .
قالت : بل مصلحتي ومصلحة العُضوةِ معي . ألَا يُشجِّعُها رَدِّي على كتابة المزيد مِن المواضيع ، ويرفعُ مِن هِمَّتِها ونشاطها ؟!
قُلتُ : إنَّكِ بذلك قـد تَمُرِّين على الأحاديثِ الضعيفةِ فلا تُنِّبهي عليها ، وقـد تَرُدِّين على المواضيع الباطلة بالشُّكرِ والدُّعاءِ دُونَ التحذيرِ منها ، وقـد تَمُرُّ بكِ الأخطاءُ العَقَدِيَّةُ فلا تنتبهي لها .
قالت : ماذا أفعلُ إذًا لِأَكونَ مُشرفـة ؟!
قُلتُ : يا أختي ، لقـد كُنتُ مُشرفـةً بأحـدِ المُنتديات ، وعُرِضَ عليَّ الإشرافُ في مُنتدياتٍ أُخرى ، لكنِّي رفضتُ البعضَ بعـد استخارةٍ ، ورفضتُ البعضَ الآخَر لأنَّي علِمتُ مِن نفسي عـدمَ القُـدرةِ على التَّوفيقِ بين جميع المُنتديات .
قالت : تُصبحين مُشرفـةً في أكثر مِن مُنتدى ، ولكِ العديـدُ مِن الصلاحيات ، وترفضين ! ليتكِ قبلتِ ، كُنتُ ستُصبحين الآن ضِمن طاقم الإدارة .
قُلتُ : طالما أنَّ هدفي مُحَـدَّد ، وغايتي واضِحـة ، فلا فـرقَ عِندي بين أنْ أكونَ مُشرفـةً أو عُضوةً عادية ؛ لأنَّ ما أقومُ به داخلَ المُنتـدى لن يتغيَّرَ كثيرًا .
قالت : عَجَبًا لكِ ! ليتَه طُلِبَ مِنِّي ، لَمَا تَرَدَّدتُ لَحظةً في القبول .
قُلتُ : بعضُ المُنتديات تُعلِنُ عن حاجتِها لمُشرفاتٍ على أقسام المُنتـدى ، ومَن أرادت ذلك أو رأت في نفسِها القُـدرةَ على القيامِ بمهمّةِ الإشراف تُرسِل لمُدير المُنتـدى لتُصبِحَ مُشرفـة .
قالت : يبـدو أنَّها مُنتدياتٌ مَجَّانيةٌ أو خاليةٌ مِن العُضوات .
قُلتُ : لا ، ليست مَجَّانية ، وبها أعـدادٌ كبيرةٌ مِن العُضوات ، وقـد تكونُ مِن أفضل المُنتدياتِ على الانترنت .
قالت : إذًا دُلِّيني عليها ، لِأُسَجِّـلَ بها .
قُلتُ : لَكنِّي لا أُفَضِّلُ ذلك .
قالت : لِـمَ ؟! أُلاحِظُ أَنَّكِ تعترضين على كُلِّ شئ ، ولا يُعجِبُكِ شئ .
قُلتُ : ليس الأمرُ كما تَظُنِّين ، لكنْ قـد تتقـدَّمُ للإشرافِ مَن ليست أهلاً له ، أو مَن تُريدُ تغييرَ لونِ مُعرِّفِها وزيادةَ صلاحياتِها مِثلَكِ ، أو غَيْـرةً على غيرِها مِثلَكِ أيضًا .
قالت : ومَن التي تَصلُحُ للإشرافِ في نظرِكِ ؟!
قُلتُ : لا يكفي في مَن يتِمُّ اختيارُها مُشرفـةً على أحـدِ الأقسامِ أنْ تكونَ نشيطةً تَرُدُّ على أكثرِ المواضيع بالقسم ، بل لا بُـدَّ أنْ تُنَبِّـهَ على الأخطاءِ إنْ وُجِدَت ، سواءً كانت عَقَدِيَّةً أو فِقهِيَّةً أو حديثيةً أو مواضيعَ باطلة ، وكذلك بعض الأخطاءِ الإملائية التي قـد تُغيّرُ المعنى تمامًا ، خاصةً إنْ كانت في أسماءِ اللهِ تعالى أو صِفاتِه ، أو أسماءِ الأنبياءِ والصحابةِ والتَّابعين . ولا يعني هـذا أنَّ المُشرفـةَ لا تُخطِئ ، بل الخطأُ مِن طبيعةِ البَشَر ، وقـد رأيتُ مِن المُشرفاتِ مَن تَمُرُّ بالموضوعِ وبه أخطاءٌ ظاهرةٌ فلا تُنبِّـهُ لها ، وقـد كان هـذا يَحدُثُ معي في البداية . لكنْ مع مرورِ الأيامِ وكثرةِ القـراءةِ والإطِّلاعِ ومُتابعةِ المواضيع تستطيعُ المُشرفـةُ التَّنَبُّـهَ للأخطاءِ والتحذيـرَ منها .
قالت : لَكنِّي حزينـةٌ لأنَّه لم يتِمّ تكليفي بالإشرافِ حتى الآن ، ووَدِدتُ لو أطلُبُ ذلك بنفسي مِن مُديـر المُنتـدى .
قُلتُ : أراكِ تَظُنِّين الأمرَ سهلاً ، والتَّكليفَ شرفـًا ، لَكنِّي سأُخبرُكِ بحديثٍ لنبيِّنا مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، لَعلَّكِ تُغَيِّرين فِكركِ وكلامَكِ بعـد سماعِه .
قالت : ما هو ؟
قُلتُ : الصَّحابِيُّ الجليلُ أبو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه يقول : قُلت : يا رسولَ الله ! أَلَا تستعملني ؟ قال : فضربَ بيدِهِ على منكبي ، ثُمَّ قال : (( يا أبا ذَرٍّ ، إنَّكَ ضعيف ، وإنَّها أمانة ، وإنَّها يومَ القيامةِ خِزيٌ وندامَة ، إلَّا مَن أَخَذَها بِحَقِّها ، وأدَّى الذي عليه فيها )) رواه مسلم .
قالت : لكنَّ هـذا لا ينطبِقُ على الإشراف !
قُلتُ : لا تنظُري إليها مِن بابِ الحُكمِ والوِلاية ، بل انظُري إليها على أنَّها أمانةٌ ومهمةٌ صعبةٌ . هل تجدين في نفسِكِ القُـدرةَ على حَمْلِ هـذه الأمانة ؟!
قالت : أمانـة ! مسئولية ! إشـراف ! حِساب ! ثـوابٌ وعِقاب ! صدقتِ . لم أُفكِّر في كُلِّ هـذا مِن قبل . لقـد أنقذتيني مِن كابوسٍ اسمُهُ " الدخـول لعالَمِ الإشـراف " .
قُلتُ : لو عُرِضَ عليكِ الإشرافُ على أحـدِ الأقسام بالمُنتـدى ، فاستخيري اللهَ عَزَّ وجلَّ ، وبعـدها اقبلي أو ارفضي حسبما ترين مِن الاستخارة ، لكنْ لا تسعي لها ، لا تطلبيها ، لا تُحاوِلي الوصولَ إليها أو الحصولَ عليها .
قالت : نعم نعم ، لكنْ تُرَى هل سآثَمُ بِرَدِّي السَّابق على المواضيع دُون قِـراءة ؟
قُلتُ : استغفري اللهَ عَزَّ وجلَّ مِن ذلك ، ولا تعودي له ، ولا تكتُبي رَدًا على أىِّ موضوعٍ دًونَ إكمالِ قِـراءتِهِ ، والتَّأكُّـدِ مِن صِحَّتِـه .
قالت : سأفعلُ ذلك بإذن الله سُبحانه وتعالى ، وأسألُه سُبحانه وتعالى أن يَعفُوَ عَنِّي وعنكِ ، وأن يرحمنا برحمتِهِ الواسعة ، وأن يجعلَ أعمالَنا خالِصةً له .
قُلتُ : آميــن .