كان السيد حسين مازق شخصية فذة لمن عرفه عن قرب، فهو يتمتع بصفات قلّ أن توجد في غيره من المسئولين الليبيين. فقد كانت ثقافته عالية رغم عدم حيازته على شهادة جامعية، ولكنه تعلم في ليبيا وتدرب في العمل الإداري في العهد الإيطالي وفترة الإدارة العسكرية البريطانية. كان يتميز بقدرة على التعامل مع الناس حسب مستوياتهم، فهو مع السفراء الدبلوماسي القدير الذي يحظى باحترامهم وتقديرهم، وهو مع شيخ القبيلة فرد من القبيلة يتكلم لغتها ويعرف حاجاتها وعاداتها، ومع الشباب المتعلم المثقف الواعي يرتفع بآرائه ونقاشه إلى المستوى الثقافي المطلوب معهم ويشاركهم حماسهم وأمانيهم وتطلعاتهم، ومع الأجانب على مختلف مستوياتهم يرتفع إلى مستوى السياسي المحنك الحذر في كلامه وتعليقاته، ومع أعضاء مجلس النواب متعاونًا ومتجاوبًا لمقترحاتهم ومطالبهم، ومع أصحاب المصالح ورجال الأعمال متفهمًا وكريمًا في حدود القانون والأعراف، ومع الفقير العادي كريمًا وقاضيًا للحاجة وعطوفًا.
كان السيد مازق قوي الذاكرة يتذكر أي شخص سبق أن قابله في مكتبه أو التقى به خارج العمل ولو مرة واحدة، أو أية رسالة قرأها أو عرضت عليه مهما طالت المدة، ومن الصعب أن يعرف محدثه ما إذا كان موافقًا أو معارضًا لرأيه. لا يغتاب أحدًا ولا يعادي أحدًا جهارًا ولا ينتقد أحدًا من وراء ظهره أمام الآخرين. يستقبل من يطلب مقابلته إذا سمح وقته بذلك، وهو يقضي كل وقته في العمل في المكتب والبيت ويرحب بضيوفه ويودعهم باحترام حتى باب مكتبه أو منزله، صادقًا في وعوده للآخرين بقدر الإمكان، ولا يخيب رجاء أحد، ويسعد بتلبية مطالب المواطنين بقدر المستطاع. كان يهاب الملك احترامًا ولا يصر على مقابلته إلا إذا استدعاه، ولا يتصل رأسًا به ويفضل الاتصال به عن طريق سكرتير الملك الخاص لنقل ما يريد إليه واستلام تعليماته عن طريقه، ولذلك كسب ثقة السكرتير الخاص.
أما في مجلس الوزراء فقد كان صبورًا يستمع إلى كل من يريد الكلام، أو له رأي مخالف. وتستمر جلسات مجلس الوزراء في عهده أيامًا متتالية وإلى الساعات المتأخرة من الليل، مما جعل الوزراء غير مرتاحين لتغيبهم عن وزاراتهم طوال جلسات المجلس، خاصة أن كل الوزارات باستثناء الخارجية والدفاع كانت في طرابلس، بينما مجلس الوزراء يعقد جلساته في البيضاء. لا يمل مقابلات الناس على مختلف مستوياتهم لا فرق عنده بين مواطن أو وزير، ويستقبل العشرات من أفراد عشيرته وقبيلته التي تسكن البيضاء سواء في مكتبه نهارًا أو في بيته ليلاً.
كان يقيم في مدينة البيضاء بدون عائلته التي يزورها في بنغازي في نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية. يحب والدته كثيرًا ولا يخيب لها طلبًا، ولهذا كان بعض أصحاب الحاجات يلجأون إليها لايصال طلباتهم وشكواهم إليه. حذر يثق في عدد قليل من الناس، وهو خجول ويحمر وجهه في حالة الغضب دون أن يفقد اتزانه، ولا يحب إثارة المشاكل حتى بين مساعديه ولا يلوم أحدًا أمام غريمه أو خصمه. لا يبت فيما يعرض عليه على الفور ولا يتخذ قراره أو يبدي رأيه إلا بعد تفكير وتدبر. شخصية يعتريها الغموض أحيانًا، لا يستطيع إنسان أن يعرف ما يدور في خاطره.
يتهمه البعض بأنه كان منحازًا لبرقة ولقبيلته البراعصة ولمدينة البيضاء، وهذا في رأيي ليس عيبًا، وكالمثل العربي القائل بأن الأقرباء أولى بالمعروف. لا يستسيغ الإقامة في مدينة طرابلس ولا يعرف فيها كثيرًا من المواطنين، خاصة أن الناس العاديين ومشايخ القبائل والأعيان في طرابلس لم يتعودوا طلب مقابلة رئيس الوزراء أو حتى الوزراء وكبار الموظفين. ولندرة ذهابه إلى طرابلس فقد سمح لوزارة الإسكان بتخصيص بيت رئيس الوزراء في طرابلس لأحد أفراد حاشية الأمير ولي العهد وأعتقد أن ذلك كان بطلب من الأمير.
ولم يعد لرؤساء الحكومات الذين جاءوا بعده بيت حكومي رسمي في طرابلس. فالسيد عبدالقادر البدري لم يذهب إلى طرابلس بتاتًا، ورؤساء الحكومات من طرابلس مثل السادة محمود المنتصر ومصطفى بن حليم ومحمد عثمان الصيد وعبدالمجيد كعبار ومحي الدين فكيني وعبدالحميد البكوش كانوا يقيمون في بيوتهم الخاصة في طرابلس. ولما جاء السيد ونيس القذافي إلى طرابلس في مهمة رسمية كرئيس للوزراء لم يجد وزير الإسكان له بيتًا رسميًا يقيم فيه، واضطر وزير الإسكان إلى أن يطلب مني بصفة شخصية استعمال بيتي الخاص ولفترة أيام قصيرة لإقامة رئيس الوزراء، وانتقلت أنا للإقامة في الفندق أثناء إقامة .
وكما ذكرت، ورغم أن السيد حسين مازق يشعر بانتمائه وحبه إلى برقة وقبيلته ومدينة البيضاء، إلا أنه كان حريصًا في تعييناته للموظفين ألا يكون محابيًا بقدر المستطاع. وهو كالملك، علاقته مع بريطانيا وثيقة منذ كان واليًا ويرى فيها الحليف الوفي، أما أمريكا فلا يشعر نحوها بود، وأعتقد أن السبب أن أمريكا فضلت أن تجعل من طرابلس مقرًا لقاعدتها وشركاتها ونشاطها وجاليتها، مما ساعد على نمو طرابلس عمرانيًا واقتصاديًا، الشئ الذي حرمت منه بنغازي وبرقة بصفة عامة..........................