عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال :
دخلت على النبي صل الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت :
يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً قال :
أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم،
قلت : ذلك أن لك أجرين ؟
قال : أجل ذلك كذلك ما من مسلمٍ يصيبه أذىً
شوكةٌ فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته ،
وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها ،
متفقٌ عليه .
وقال بعض الحكماء :
من كنوز البر كتمان المصائب ،
وقد كانوا يفرحون بالمصائب نظراً إلى ثوابها ،
وحكاياتهم مشهورة في ذلك .
منها : ما روى أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
لما مات دفنه عمر، وسوى عليه ثم استوى قائماً ،
فأحاط به الناس ، فقال :
رحمك الله بابني ! قد كنت براً بأبيك ،
والله ما زلت منذ وهبك الله لى مسروراً بك ،
ولا والله ما كنت قط أشد بك سروراً ،
ولا أرجى بحظي من الله تعالى فيك منذ وضعتك
في هذا المنزل الذي صيرك الله إليه .
فإن قيل :
إن كان المراد من
الصبر عدم كراهية المصائب ،
فلا قدرة للآدمي على ذلك ،
وإن كان الفرح بوجودها كما حكيتم ،
فهو أبعد .
والجواب :
أن
الصبر لا يكون إلا عن محبوب أو على مكروه ،
ولا ينهى عما لا يدخل تحت الكسب ،
وهو انزعاج الباطن ، وإنما ينهى عن المكتسب ،
كشق الجيوب ، ولطم الخدود ،
والقول باللسان ،
فأما ما ذكرنا من فرح بعضهم
، فذلك فرح شرح لا طبعي ،
إذ الطبع لابد له من كراهة المصائب .
ومثال هذا رجل مريض له شربة لمرضه
فسعى في طلب حوائجها ،
وأنفق عليها مالاً ،
فلما تمت ، فرح بتمامها
وتناولها لما يرجو لها من العافية ،
فأما طبعه ، فما زالت
عنه كراهة التناول أصلاً .
ولو أن ملكاً قال لرجل فقير :
كلما ضربتك بهذا العود اللطيف ضربة أعطيتك ألف دينار،
لأحب كثرة الضرب ، لا لأنه لا يؤلم ،
ولكن لما يرجوا من عاقبة ، وإن أنكاه الضرب .
فكذلك السلف تلمحوا الثواب ، فهان عليهم البلاء .
انظر مختصر منهاج القاصدين للمقدسي
قال ابن القيم رحمه الله
في كتابه مدارج السالكين 2 / 167
يُحْكَى عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْعَابِدَاتِ أَنَّهَا عَثَرَتْ.
فَانْقَطَعَتْ إِصْبَعُهَا. فَضَحِكَتْ.
فَقَالَ لَهَا بَعْضُ مَنْ مَعَهَا:
أَتَضْحَكِينَ، وَقَدِ انْقَطَعَتْ إِصْبَعُكِ؟
فَقَالَتْ: أُخَاطِبُكَ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ.
حَلَاوَةُ أَجْرِهَا أَنْسَتْنِي مَرَارَةَ ذِكْرِهَا.