في أصل طبيعة خلق الإنسان أنه يحب الهدوء، فهو الوسيلة التي يستطيع من خلالها أن يتفكّر في كل ما يحيط به، فمن خلاله يخطط في بناء ذاته، أو يتأمل في سلوكياته، أو يتفكر في خلق الله، أو يحلم في المستقبل كيف يكون. والهدوء ضد الحركة التي هي سمة الكون، فالأصل هو الحركة، والهدوء هو الاستثناء، لكن هذا الاستثاء مرغوب، نبحث عنه أحيانا في طلب الراحة، أو الانزواء والخلوة بالنفس، أو الذهاب لزيارة معالم الطبيعة الصامتة، ومن ذلك الهروب من النقاش والجدال، حيث نهرب من الصخب والضوضاء، من المدينة المكتظة إلى الريف الهادئ، وهكذا نبحث دائماً عن لحظات من الهدوء نناجي فيها النفس، وتسمو بها الروح، ويتفكر فيها العقل. الهدوء والوعي يحدث الهدوء غالباً بسهولة للإنسان العادي في حالة الاسترخاء، لكن من الممكن حدوثه أيضا في الحالات الأكثر وعياً ويقظة: يروى أنه فقدت ساعة ثمينة من رجل غني أثناء تجواله داخل ممرات ورشة نجارة تمتلئ أرضيتها بنشارة خشب يصل ارتفاعها إلى بضعة سنتمرات. أعلن الرجل استعداده لتقديم مكافأة ماليه كبيرة لمن يجد الساعة، فسارع العمال إلى تقليب أكوام النشارة باجتهاد مستخدمين أدواتهم التى يمتلكونها مثل (الشوكة – مغناطيس …….الخ) وأصابهم الضجيج والصخب دون جدوى عدة ساعات إلى أن حان وقت الغذاء. وفى أثناء تواجدهم خارج الورشة لتناول الغذاء دخل شاب صغير السن ثم خرج بعد مده قصيرة وفى يده الساعة الثمينة.
نظر الجميع اليه باستغراب شديد ثم سألوه كيف وجدتها كيف؟ أجابهم قائلاً: "لم أفعل أمراً خارقاً، كل ما قمت به أننى أنتظرتكم حتى تنتهوا جميعا من الضجيج وجلست فى هدوء، وظللت أسترق السمع حتى التقطت أذناي صوت دقات الساعة"! حينما أراد الله تعالى إعداد الرسول صلى الله عليه وسلم للرسالة وحمل الأمانة ألقى في روعه أن يعتزل الناس ويعتكف ليالٍ طوالٍ في غار حراء ، ولما سأل زكريا ربه آية تؤكد تحقيق البشرى الإلهية بالولد طلب منه رب العباد ألا يكلم الناس ثلاث ليال سوياً. علاقة الهدوء بالتفكير أهم ما يميز لحظات الهدوء هو صفاء النفس والرغبة في التفكير بعيداً عن هموم الحياة اليومية، والتفكير والهدوء أمران متلازمان، فبدون الهدوء يصعب التفكير إن أهم ما يميز لحظات الهدوء هو صفاء النفس والرغبة في التفكير بعيداً عن هموم الحياة اليومية، والتفكير والهدوء أمران متلازمان، فبدون الهدوء يصعب التفكير، ولذلك كان الأمر بالنظر والتفكر: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت}. العبادة والهدوء في العبادة هدوء يصاحبه الذكر ، فالتهجد مناجاة يبتعد فيها الإنسان عن الناس في لحظات الليل الهادئ مع سكون الكون ورقود الناس، والصلاة لا تصح مع الكلام من غير الذكر المخصوص لها، وبعد الصلاة لحظات هدوء مع ذكر، وهكذا فالعبادات تحتاج إلى سكون النفس، وجو هادئ لأدائها، والهدوء يمكن اكتسابه بالخلوة، وكثرة صلاة الليل. الهدوء وكف اللسان لقد نهينا عن الخوض في الباطل، وكثرة نقل الكلام، وقيل وقال، وعن الغيبة والنميمة والكذب، وغيره من الآفات، فالصمت خير من الحديث في حالات كثيرة، فإذا لم يكن في الحديث منفعة دينية ودنيوية فالصمت أولى ، وهو يورث الحكمة {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس}. فالهدوء النفسي يقود إلى الصمت والصمت الكثير يعوّد النفس الهدوء. الهدوء والتميز يقترن الهُدوء في العادة بالأشخاص الذين يتصّفون بالنجاح والتميّز ، فكثيراً ما نسمع عن فُلان من الناس خُصوصاً في صفوف الدراسة الأولى بأنّهُ هادىء وصاحب تميّز وإبداع، وشخص آخر بأنّهُ فوضوي كثير الشغب قليل التحصيل الدراسيّ لفرط الانفعالات التي تأخذ حيّزاً كبيراً من طاقته، وبالتالي تُقلل من فُرَص النجاح لديه. الهدوء واتخاذ القرارات يجب المحافظة على الهدوء، والشخصية الهادئة؛ لأن الشخصية الانفعالية، التي تتصف بالعصبية، تترك أثراً سلبياً فيمن حولها، وتصبح شخصية منفّرة الحياة مليئة بالضغوطات، والتحديات، والمشاكل التي تواجه الشخص في حياته اليوميّة، وتتطلب الكثير من المواقف ردود أفعال سريعة، وشخصية حكيمة، تتخذ القرارات بهدوء ورويّة، ودون أي تسرّع وانفعال، فقد يصاب الإنسان بالفشل، أو خيبة الأمل، أو قد يتعرّض للاستفزاز، وهذه مواقف كلّها قد تُخرج الشخص عن طوره أحياناً، وتجعل صوته مرتفعاً، وأعصابه متوترة، لكن رغم كل شيء، يجب المحافظة على الهدوء، والشخصية الهادئة؛ لأن الشخصية الانفعالية، التي تتصف بالعصبية، تترك أثراً سلبياً فيمن حولها، وتصبح شخصية منفّرة، لذلك يجب أن يحاول الإنسان قدر الإمكان، التصرّف بهدوء وسكينة، وأن يكون شخصاً هادئاً. كيف أكتسب صفة الهدوء؟ الهدوء ميزة من الممكن اكتسابها وتطويرها بالممارسة، ومن أهم العوامل المساعدة على ذلك الآتي: 1- ذكر الله تعالى، فهو الباعث على الطّمأنينة والهدوء، فحين يذكر الإنسان ربّه يشعر وكأنّما رحمات الله سبحانه وتعالى تتزّل عليه، كما أنّ للعبادة والتّهجد دورٌ رئيس في إكساب النّفس الهدوء . 2- الرضا بالقضاء والقدر أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، فهذا الإيمان يكسب النفس الطمانينة مما ينعكس هدوءاً وأمناً ورضاً.لابد من عدم التركيز على التفاصيل المزعجة والصغيرة، التي تسبب القلق والتوتر، والابتعاد عن تضخيم الأمور أكبر من حجمها؛ لأن هذه التصرفات، تستهلك طاقة الهدوء الداخلية، وتستنزف الأعصاب 3- عدم التركيز على التفاصيل المزعجة والصغيرة، التي تسبب القلق والتوتر، والابتعاد عن تضخيم الأمور أكبر من حجمها؛ لأن هذه التصرفات، تستهلك طاقة الهدوء الداخلية، وتستنزف الأعصاب، وتجعل الشخص انفعالياً. 4- تقبّل العيوب الشخصية، وتقبل عيوب الآخرين؛ لأن الرضى والقناعة، تجعلان الشخص هادئاً ويشعر بالسكينة والرضى الداخلي . 5- كتابة الأشياء المزعجة على ورقة، ثم تمزيقها أو حرقها، وتعد هذه الطريقة، من أهمّ طرق التخلّص من العصبية والتوتر، والتمتع بالهدوء والسكينة؛ لأنّ البوح بالمشاكل وكتابتها، يساعد على الشفاء من القلق، ويمنحنا الكثير من مفاتيح الحل. 6- الصبر والإرادة؛ لأنّ الإرادة الداخلية، هي أكبر دافع للإنسان ليصل إلى ما يريد، ومن أراد أن يكون شخصاً هادئاً متحكماً في أعصابه، فما عليه إلا أن يصمم على هذا، ويتحلى بالصبر، ويترك الغضب حيث أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من الشيطان الرجيم عند كل لحظة انفعال، وليتذكرّ قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "ليس الشديد بالصرعة، إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (متفق عليه)، وهذا دليل على أنّ الهدوء والسكينة منهج رباني يدعو إليه الدين، وليس مجرد خيار نتبعه أو نرفضه. 7- تخصيص وقت في اليوم للجلوس مع النفس والهدوء والتأمل فيما مضى من الأحداث في اليوم ومحاسبة النفس، ويمكن أن يكون بعد صلاة الفجر إلى الشروق في المسجد أو البيت أو في وقت السحر بعد صلاة التهجد. 8- كف اللسان عن الحديث والخوض فيما لا يعنيه، وحسن الخلق في التعامل والاعتدال في ردود الفعل، مما يكسب الإنسان قوة عجيبة تسهم في الأمن النفسي والهدوء الذاتي. 9- الاسترخاء أو النظر في الطبيعة الهادئة؛ كمراقبة موج بحرٍ انسيابيّ، أو صوت عصافير تشدو بهدوء فوق أغصان الأشجار، وهذهِ الأمثلة بعض ممّا تحتويه الطبيعة حولنا وتجلب لنا الهُدوء. وأخيرا إن بحثنا عن الهدوء والطمانينة لن يتوقف مهما كانت الحياة من حولنا صاخبة، لكنه يبدأ من هدوئنا وصبرنا الذاتي الذي يوفره الإيمان والرضا. |
|
|
|