25 - 12 - 2020, 02:24 AM
|
|
يا ادم حواء تطلبك الرحمة اكثر من الحب
الرحمة اقوى من الحب الرحمة عاطفة إنسانية راقية مركبة،
ففيها الحب، وفيها التضحية، وفيها
إنكار الذات، وفيها التسامح، وفيها
العطف، وفيها العفو، وفيها الكرم. وكلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية. وقليل منا هم القادرون على الرحمة. ذكر الحب في القرآن مرة واحدة فى قصة امرأة العزيز التي شغفها فتاها ( يوسف ) حبّا وقال نسوة في المدينة امْرَأَةُ الْعَزِيزِ
تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً." فماذا فعلت امرأة العزيز حينما
تعفف يوسف الصدّيق؟ وماذا فعلت حينما دخل عليهما الزوج؟ لقد طالبت بإيداع يوسف السجن وتعذيبه. (( قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا
إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) )) ( يوسف ) وماذا قالت لصاحباتها وهي تروي قصة حبها؟ ((وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ
مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ
(32) )) ( يوسف ) إن عنف حبها اقترن عندها بالقسوة
والسجن والتعذيب. وماذا قال يوسف الصدّيق؟ (( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ
(33) )) ( يوسف ) لأنه أدرك ببصيرته أن الحب سجن، وأن الشهوة قيد إذا استسلم له الرجل أطبق على عنقه حتى الموت.. ورأى أن مكثه في السجن عدة سنوات، أرحم من الخضوع للشهوة التي هي سجن
مؤبد إلى آخر الحياة. إن الحب لا يظل حبا صافيا رفافا شفافا،
وإنما ما يلبث بحكم الجبلة البشرية أن
يصبح جزءا من ثالوث هو: الحب
والجنس والقسوة، وهو ثالوث متلاحم
يقترن بعضه ببعض على الدوام. ولهذا لا يصلح هذا الثالوث أن يكون
أساسا لزواج.. ولا يصلح لبناء البيوت، ولا يصلح لإقامة الوشائج الثابتة بين الجنسين. ومن دلائل عظمة القرآن وإعجازه أنه حينما ذكر الزواج، لم يذكر الحب وإنما ذكر المودة و الرحمة والسكن. سكن النفوس بعضها إلى بعض.
وراحة النفوس بعضها إلى بعض.
وقيام الرحمة
وليس الحب.. والمودة و ليس الشهوة. (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً )) ( الروم – 21 ) إنها الرحمة والمودة.. مفتاح البيوت. و الرحمة تحتوي على الحب بالضرورة.. و الحب لا يشتمل على الرحمة،. والرحمة أعمق من الحب وأصفى وأطهر. ولذلك جاء كتاب الحكمة الأزلية
الذي تنزل علينا من الحق.. يذكرنا
عند الزواج بالرحمة والمودة والسكن
والذين خبروا الحياة وباشروا حلوها
ومرّها، وتمرسوا بالنساء يعرفون
مدى عمق وأصالة وصدق
هذه الكلمات المنزلة. وإنما الإنسان وحده هو الذي امتاز بهذا
الإطار من المودة و الرحمة والرأفة، لأنه هو وحده الذي استطاع أن يستعلي
على شهواته؛ فيصوم وهو جائع ويتعفف وهو مشتاق.
و الرحمة ليست ضعفا وإنما هي غاية القوة،
لأنها استعلاء على الحيوانية والبهيمية
والظلمة الشهوانية. الرحمة هي النور والشهوة هي النار.
وأهل الرحمة هم أهل النور والصفاء
والبهاء، وهم الوجهاء حقا. والرحماء قليلون، وهم أركان الدنيا
وأوتادها التي يحفظ بها الله الأرض ومن عليها. ولا تقوم القيامة إلا حينما تنفد الرحمة من القلوب،
ويتفشى الغلّ، وتسود المادية الغليظة، وتنفرد
الشهوات بمصير الناس، فينهار بنيان الأرض
وتتهدم هياكلها من القواعد.
|
|
الموضوع الأصلي :
يا ادم حواء تطلبك الرحمة اكثر من الحب || الكاتب :
عادل ابن الرافدين || المصدر :
شبكة همس الشوق |