إحساسنا بأننا رأينا مكانا أو شخصا من قبل.. هل هو وهم أم علم؟
إحساسنا بأننا رأينا مكانا أو شخصا من قبل.. هل هو وهم أم علم؟
على الرغم من عدم تحديد أسباب للشعور بوهم سبق الرؤية حتى الآن فإنه من الجيد أن العلم أخيرا أصبح جادا في دراسة هذه الظاهرة الغريبة
وهم سبق الرؤية أو "ديجا فو" شعور ينتاب البعض منا ولا يعرف تفسيره (شترستوك)
إذا كان لديك شعور بأنك قد قرأت هذا الكلام من قبل فلا تقلق، فأنت فقط تعيش إحساس "وهم سبق الرؤية" أو ما يعرف بـ"ديجا فو" (déjà vu)، مثل أن تزور شقة أحد الأصدقاء ولديك إحساس بأنك كنت هنا من قبل، ولكن الحقيقة هي أن هذه هي المرة الأولى التي تزور فيها هذه الشقة.
ومع ذلك، قد يكون الشعور قويا جدا وحقيقيا جدا، لدرجة أنك تعرف ما ستجده عند دخول المطبخ، ويقدر الخبراء أن ما يقارب اثنين من كل 3 أشخاص قد مروا بهذا الإحساس مرة واحدة على الأقل.
المصطلح الفرنسي الأصل -الذي يعني "شوهد من قبل"- صاغه الفيلسوف والباحث النفسي الفرنسي إميل بويراك في عام 1876، ولكن الناس مروا بهذا الإحساس قبل فترة طويلة من تسميته.
وعلى مر القرون اتخذ الإنسان "وهم سبق الرؤية" دليلا على ما كان يؤمن به، فمثلا، نظر سيغموند فرويد إلى "ديجا فو" فرأى رغبات مكبوتة، واعتقد كارل يونغ أنه مرتبط باللاوعي الجماعي، ووصف أفلاطون شيئا مشابها للديجا فو كدليل على وجود حياة سابقة، وبالطبع هناك فكرة حديثة في هوليود مفادها أن "الديجا فو" ما هو إلا نتاج خلل في الماتركس (المصفوفة).
شعور حير العلماء منذ أن صاغه الفيلسوف والباحث النفسي الفرنسي إميل بويراك في عام 1876 (شترستوك)
ديجا فو يدخل ساحة العلم
في عام 2003 -وكما يشير تقرير لموقع "ديسكفر ماغازين" (Discover Magazine)- نشر عالم النفس ألان براون ورقة بحثية في مجلة "سيكولوجيكال بولتين" (Psychological Bulletin) تضمنت المعلومات القليلة التي لدينا عن وهم سبق الرؤية، وربطت تلك المعلومات بالنماذج الموجودة في علم النفس المعرفي وبحوث الذاكرة.
وقد مهدت أعماله الطريق لمجتمع البحث لإلقاء نظرة فاحصة على هذه الظاهرة في السنوات التالية، ومنذ ذلك الحين قام هو وحفنة من الباحثين بإدخال دراسة "الديجا فو" إلى العلوم الأساسية.
وبالإضافة إلى اعتباره ظاهرة فوق الطبيعة مثّل "وهم سبق الرؤية" عقبة أخرى للباحثين، حيث إن الإحساس به لا يستغرق عادة أكثر من بضع ثوان، ولا يوجد ما يمهد لحدوثه، مما يجعل دراسته صعبة جدا، وتستند الكثير من المعلومات المعروفة عنه على دراسات استكشافية، وعلى الرغم من ذلك توصل الباحثون إلى طرق جديدة لدراسته عمليا.
وفي عام 2006 قام فريق في إنجلترا بتنويم أشخاص مغناطيسيا لتحفيز الديجا فو، وكان لدى آن كليري الأستاذة والباحثة في علم النفس المعرفي والذاكرة بجامعة ولاية كولورادو الأميركية (Colorado State University) فكرة ذات تقنية حديثة.
فقد استخدمت الواقع الافتراضي لحث ديجا فو، حيث عرضت أشخاصا لسلسلة من المشاهد في لعبة فيديو "سمز" (Sims) المصممة بعناية بحيث يكون التخطيط المكاني للمشهد مشابها لمشهد آخر على الرغم من أن الصور بحد ذاتها كانت مختلفة تماما.
مر الأشخاص موضع التجربة بوهم سبق الرؤية عندما كان المشهد مشابها للمشهد الذي رأوه من قبل، مما يشير إلى أن التشابه في التخطيط المكاني بين مكانين قد يؤدي إلى إحساس بالألفة للمكان الجديد، وهو إحساس يشبه ديجا فو.
منذ دخول "وهم سبق الرؤية" ساحة العلم ظهرت نظريات عديدة لتفسيره (غيتي)
الكثير من النظريات لتفسيره
بمجرد أخذ أبحاث "وهم سبق الرؤية" على محمل الجد بدأت الكثير من النظريات في الظهور حول ما يحدث في الدماغ أثناء الشعور بهذا الإحساس.
فمثلا، إحدى الفرضيات هي أن الديجا فو سببه الذاكرة، مثل أن تكون قد واجهت شيئا ما، لكن لا يمكن لعقلك الواعي تذكره، وعندما تصادف شيئا مشابها فإنك تشعر بالألفة ولكن لا يمكنك استدعاء الذاكرة، وتدعم تجارب كليري للواقع الافتراضي هذا الرأي، فالتشابه المكاني -وليس أي تفاصيل محددة- هو الذي يثير الشعور بالألفة.
نظرية أخرى شائعة هي أن وهم سبق الرؤية ناتج عن مقاطعة التسلسل الفكري الحالي، فتخيل مثلا أنك كنت تمشي في الشارع ومررت بمقهى جديد وألقيت نظرة خاطفة على المتجر ولكن في ذلك الوقت تلقيت رسالة نصية ونظرت بعيدا، أي أنه تمت معالجة المعلومات على مستوى ما، ولكن ليس بشكل كامل.
وعندما يقع نظرك على المقهى مرة أخرى فسيكون لديك شعور غريب بأنك رأيته من قبل، لأنك فعلت ذلك للتو على الرغم من عدم وجود ذاكرة واعية به.
نظرية ثالثة هي أن ديجا فو ناتج عن نوبات دماغية طفيفة، فمن المعروف أن الأشخاص المصابين بالصرع يعيشون تجربة الديجا فو بشكل متكرر، ومن الممكن أن يكون سبب ذلك عند الأشخاص غير المصابين بالصرع هو نوع من النشاط الشبيه بالنوبة، حيث يحدث خلل طفيف في الدماغ يسبب إحساس وهم سبق الرؤية، وهذا يتناسب تماما مع حقيقة أن المراهقين والشباب يعيشون إحساس الديجا فو بشكل متكرر أكثر من كبار السن، حيث ينشغل الدماغ باسترجاع الكثير من الأحداث في تلك الفترة العمرية، مما يجعل فرص حدوث الخلل أعلى.
وتشير كليري إلى أن هذه ليست بالضرورة نظريات متناقضة "فقد تكون هناك العديد من الأسباب المختلفة التي يمكن أن تكون كلها أسباب صحيحة لحدوث الديجا فو".
أسباب الشعور بوهم سبق الرؤية غير محددة حتى الآن (شترستوك)
ليس فقط ديجا فو
على الرغم من عدم تحديد أسباب للشعور بوهم سبق الرؤية حتى الآن فإنه من الجيد أن العلم أخيرا أصبح جادا في دراسة هذه الظاهرة الغريبة.
وتضيف كليري "أعتقد أن أبحاث الديجا فو قد سلطت الضوء على العمليات التي تساعدنا على فهم الذاكرة بشكل أفضل على مستوى أوسع من مجرد محاولة فهم وهم سبق الرؤية".
ويبحث مختبر كليري حاليا في العلاقة بين ديجا فو والنوبات، وتحديث تقنيات الواقع الافتراضي ومحاولة معرفة المزيد عن الاختلافات الفردية في تجارب ديجا فو