حديث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام.
♦ قوله: (أوصاني خليلي).
قال الحافظ: (الخليل الصديق الخالص، الذي تخللتْ محبته القلب، فصارت في خلاله؛ أي: في باطنه، واختلف هل الخلة أرفع من المحبة أو بالعكس؟ وقول أبي هريرة هذا لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا"؛ لأن الممتنع أن يتخذ هو صلى الله عليه وسلم غيره خليلًا لا العكس، ولا يقال: إن المخاللة لا تتم حتى تكون من الجانبين؛ لأنا نقول: إنما نظر الصحابي إلى أحد الجانبين فأطلق ذلك، أو لعله أراد مجرد الصحبة أو المحبة[1].
قال: وفي قوله: خليلي، إشارة إلى موافقته له في إيثار الاشتغال بالعبادة على الاشتغال بالدنيا؛ لأن أبا هريرة صبر على الجوع في ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال: ويؤخذ منه الافتخار بصحبة الأكابر إذا كان ذلك على معنى التحدث بالنعمة والشكر لله، لا على وجه المباهاة[2]، والله أعلم.
قال البخاري: باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة[3]، وذكر الحديث.
قيل: المراد بالبيض الليالي، وهي التي يكون فيها القمر من أول الليل إلى آخره.
قال الحافظ: (جرى البخاري على عادته في الإيماء إلى ما ورد في بعض طرق الحديث، وهو ما رواه أحمد والنسائي، وصحَّحه ابن حبان من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها، فأمرهم أن يأكلوا وأمسك الأعرابي، فقال: "ما منعك أن تأكل؟"، فقال: إني أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، قال: إن كنت صائمًا فصم الغرَّ؛ أي: البيض، وهذا الحديث اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافًا كثيرًا بينه الدارقطني، وفي بعض طرقه عند النسائي: إن كنت صائمًا فصم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وجاء تقييدها أيضًا في حديث قتادة بن ملحان، ويقال: ابن منهال عند أصحاب السنن بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وقال: هي كهيئة الدهر، وللنسائي من حديث جرير مرفوعًا: صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر أيام البيض صبيحة ثلاث عشرة؛ الحديث، وإسناده صحيح، وكان البخاري أشار بالترجمة إلى أن وصية أبي هريرة بذلك لا تختص به)[4]؛ انتهى.
عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ما يبالي من أي الشهر صام؛ رواه مسلم.
♦ قال الروياني: صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب، فإن اتفقت أيام البيض كان أحب.
♦ قوله: (وركعتي الضحى).
♦ قال البخاري أيضًا: باب صلاة الضحى في الحضر، قاله عتبان بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم[5].
ثم ذكر حديث الباب ولفظه: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنَّ حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر.
♦ قال الحافظ: قوله: وصلاة الضحى، زاد أحمد في روايته: كل يوم، وفي طريق أخرى وركعتي الضحى، قال ابن دقيق العيد: لعله ذكر الأقل الذي يوجد التأكيد بفعله، وفي هذا دلالة على استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها لا ينافي استحبابها؛ لأنه حاصل بدلالة القول، وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلة القول والفعل، لكن ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله، مرجح على ما لم يواظب عليه.
♦ قوله: (وأن أوتر قبل أن أنام)، وفي الطريق الأخرى: ونوم على وتر.
♦ قال الحافظ: (وفيه استحباب تقديم الوتر على النوم، وذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ ويتناول من يصلي بين النومين، وهذه الوصية لأبي هريرة، ورد مثلها لأبي الدرداء فيما رواه مسلم، ولأبي ذر فيما رواه النسائي، والحكمة في الوصية على المحافظة على ذلك، تمرين النفس على جنس الصلاة والصيام؛ ليدخل في الواجب منهما بانشراح، ولينجبر ما لعله يقع فيه من نقص، ومن فوائد ركعتي الضحى أنها تجزئ عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم، وهي ثلاثمائة وستون مفصلًا؛ كما أخرجه مسلم من حديث أبي ذر، وقال فيه: ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى)[6].
♦ قال في الاختيارات الفقهية[7]: وتستحب المداومة على صلاة الضحى إن لم يقم في ليلة، وهو مذهب بعض من يستحب المداومة عليها مطلقًا.
قلت: لكن أبا العباس له قاعدة معروفة، وهي ما ليس من السنن الراتبة لا يداوم عليه حتى يلحق بالراتب؛ كما نص الإمام أحمد على عدم المواظبة على سورة "السجدة"، وهل أتى" يوم الجمعة؛ انتهى والله أعلم.
[1] فتح الباري: (3/ 57).
[2] فتح الباري: (4/ 227).
[3] صحيح البخاري: (3/ 53).
[4] فتح الباري: (4/ 226).
[5] صحيح البخاري: (2/ 73).
[6] فتح الباري: (3/ 57).
[7] الاختيارات الفقهية: (1/ 428).