حفظ اللسان عن إفشاء السر
وهو ينقسم إلى قسمين:
إفشاء سر النفس، وإفشاء سر الغير،
وكلاهما مذموم، والأول أهون من الثاني:
أولًا: إفشاء سر الإنسان نفسه سبب من أسباب فشله،
وربما كان سببًا في ذلة لمن أفشى له سرًّا.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سِرُّك أسيرك، فإن تكلمت به صرت أسيره.
وقال حكيم لابنه:
يا بني كن جوادًا بالمال في موضع الحق، ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق،
فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر، والبخل بمكتوم السر.
وقال أنس بن أسيد:
وَلَا تُفْشِ سِرَّكَ إِلّا إِلَيْكَ
فَإِنَّ لِكُلِّ نَصِيحٍ نَصِيحًا
فَإِنِّي رَأَيْتُ وُشَاةَ الرِّجَالِ
لَا يَتْرُكُونَ أَدِيمًا صَحِيحًا
وقال بعضهم:
إِذَا المَرْءُ أَفْشَى سِرَّهُ بِلِسَانِهِ
وَلَامَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَهُوَ أَحْمَقُ
إِذَا ضَاقَ صَدْرُ المَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ
فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَقُ
ثانيًا: إفشاء سر المسلم وهذا أخطر وأشد؛ لأنه أمانة وإفشاؤه خيانة،
والخيانة من علامات المنافق.
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ:
إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»
؛ متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم:
«إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ»
وقال العباس لابنه عبدالله:
إني أرى هذا الرجل يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدمك على الأشياخ،
فاحفظ عني خمسًا:
لا تفشين له سرًّا، ولا تغتبن عنده أحدًا، ولا تجرين عليه كذبًا،
ولا تعصين له أمرًا، ولا يطلعن منك على خيانة.
قال الشعبي: كل كلمة من هذه الخمس خير لي من ألف.
يُروى أن معاوية رضي الله عنه أسر إلى الوليد بن عتبة حديثًا،
فقال الوليد لأبي:
يا أبت إن أمير المؤمنين أسر إليَّ حديثًا،
وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك، فقال أبوه:
لا تحدثني به يا بني، فإن من كتم سره كان الخيار إليه،
ومن أفشاه كان الخيار عليه، فقال:
يا أبت وإن هذا ليدخل بين الرجل وابنه..؟
فقال: لا والله يا بني، ولكن أحب ألا تدلل لسانك بأحاديث السر،
قال الوليد:
فأتيت معاوية فأخبرته،
فقال: يا وليد أعتقك أبوك من رق الخطأ.