فوائد وأحكام من قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ... ﴾
قوله تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ
فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً
مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 258، 260].
1- تقرير وإثبات ما جرى من المحاجة لإبراهيم- عليه الصلاة والسلام- في ربه والتعجيب من ذلك.
وفي ذلك تقرير وإثبات ربوبية الله عز وجل، ووحدانيته، وألوهيته؛ لقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ الآية.
2- التنويه بفضل إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- ودعوته.
3- إثبات ربوبية الله عز وجل الخاصة لإبراهيم وتشريفه بإضافة اسم «الرب» عز وجل إلى ضميره؛ لقوله تعالى: ﴿ فِي رَبِّهِ ﴾.
4- أن الملك كله لله عز وجل، يؤتيه من ما يشاء؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾، كما قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].
5- أن الملك والمال والجاه والمنصب ونحو ذلك قد يكون سببًا للكفر والطغيان؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾
كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [التوبة: 75].
6- جواز المجادلة والمناظرة لإثبات العقائد، وإحقاق الحق وإبطال الباطل، بل قد يندب ذلك، وقد يجب
لأن إبراهيم عليه السلام ناظر هذا المحاج، فهذا من مقامات الرسل عليهم الصلاة والسلام.
7- اعتزاز إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- بأعظم ما يعتز به المخلوق وهو ربوبية الله عز وجل له؛ لقوله تعالى: ﴿ قال إبراهيم ربي ﴾.
8- إثبات صفتي الإحياء والإماتة لله عز وجل، وأن ذلك بيده عز وجل وحده؛ لقوله تعالى: ﴿ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾، وقوله:
﴿ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ﴾، وقوله: ﴿ كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى ﴾.
كما قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]
وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [آل عمران: 156]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يونس: 56].
وفي هذا إثبات صفات الأفعال الاختيارية لله عز وجل والرد على منكريها من أهل البدع.
9- أن الإحياء والإماتة من أعظم صفات الربوبية، لهذا خصها إبراهيم عليه السلام بالذكر، وذلك لما في ذلك من الدلالة
على عظيم قدرة الله تعالى، وما يحمل على قوة التعلق بالله وخوفه ورجائه، والتوكل عليه وحده عز وجل.
10- شدة مكابرة هذا المحاج لإبراهيم، وجرأته في إنكار الحق، وادعاء الباطل، مما يدل على أن الإنسان قد يرتكس بسبب الكفر والغرور
ويصل إلى غاية لا تتصور من الطغيان، حيث بلغ الحال بهذا المحاج أن يقول: ﴿ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ وهو يعلم أنه كاذب.
11- قوة إبراهيم عليه السلام في المناظرة وحكمته، حيث فرع على الحجة السابقة ما هو أقطع لحجة هذا المغالط المعاند بعد أن زعم أنه يحيى
ويميت، فجعل نفسه ندًا لله تعالى، ولهذا ألزمه إبراهيم عليه السلام بقوله: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾.
12- قدرة الله عز وجل التامة على تصريف هذا الكون وتدبير الشمس وغيرها من الأفلاك.
13- إثبات حركة الشمس وجريانها في فلكها، خلافًا لمن زعم أنها ثابتة.
14- حيرة هذا المحاج وانبهاته وانقطاعه أمام حجة إبراهيم الدامغة، لما قال له: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾؛ لقوله تعالى: ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾.
15- أن الباطل لا يثبت أمام الحق؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]
وقال تعالى: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 18].
16- أن من أنكر وجحد وجود الرب الخالق الملك المدبر، أو ادعى أنه يقدر على ما لا يقدر عليه إلا الرب تعالى
كالإحياء والإماتة، فهو كافر؛ لقوله تعالى: ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾.
17- حرمان الظالمين من هداية الله تعالى الخاصة، وهي هداية التوفيق بسبب ظلمهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾.
18- التحذير من الظلم، وأن من أعظم الظلم المحاجة بالباطل، وجحود الرب والكفر به تعالى.
19- إثبات هداية التوفيق لله تعالى وأنه يهدي من أقر بربوبيته وآمن واتبع الحق؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾.
20- إثبات قدرة الله عز وجل التامة على إحياء الموتى والبعث والجزاء؛ لقوله تعالى:
﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ الآية.
21- عناية القرآن الكريم في تقرير وبيان وإثبات قدرة الله عز وجل التامة على إحياء الموتى بتعداد وتنويع الأدلة والبراهين عليها، كما في هذه الآية، والتي بعدها.
22- جهل الإنسان، وأنه قد يستبعد بسبب ذلك ما ليس بمستبعد على الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾.
23- حكمة الله تعالى ورحمته في جعله لهذا الرجل دليلًا في نفسه؛ ليتبين له تمام قدرة الله تعالى على إحياء الموتى
حيث أماته عز وجل مائة عام، ثم بعثه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ﴾.
24- إثبات القول والكلام لله عز وجل بحروف وأصوات مسموعة؛ لقوله تعالى: ﴿ كَمْ لَبِثْتَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ﴾
وقوله تعالى في الآية الأخرى لإبراهيم: ﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ﴾ إلى قوله: ﴿ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْر ﴾ الآية.
25- في سؤال الله عز وجل هذا الرجل بعد بعثه: ﴿ كَمْ لَبِثْتَ﴾ امتحان له وتقرير وبيان لجهله مدة لبثه.
26- جواز إخبار الإنسان بما يغلب على ظنه، وأنه إذا خالف الواقع لا يعد مخطئًا؛ لقوله تعالى: ﴿ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾.
27- عدم تعنيف الجاهل، وتعليمه برفق؛ لقوله تعالى: ﴿ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ﴾، ولم يقل له: «أخطأت».
28- التوجيه إلى النظر والتأمل في آيات الله تعالى الكونية، مما يزيد العبد إيمانًا ويقينًا؛ لقوله تعالى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ﴾.
29- إثبات الملكية للإنسان؛ لقوله تعالى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ﴾، فأضاف إليه هذه الأشياء إضافة تملك.
30- إثبات الكرامات وخوارق العادات، لبيان كمال قدرة الله تعالى، وتكريمه عز وجل لمن وقعت له هذه الكرامة وتأييد الحق.
حيث بقي هذا الرجل وشرابه مائة عام لم يتغير، وفي هذا دلالة على قدرة الله تعالى على إجراء ما يخالف بعض السنن الكونية
المعتادة، لكن هذا لا يبرر الدعاء بما يخالف السنن الكونية؛ كقول بعضهم في الدعاء على الأعداء من الكفار: «اللهم جمِّد الدماء في عروقهم»
ونحو ذلك مما لم تجر به سنن الله الكونية، فهذا من الاعتداء في الدعاء، وإن كان الله عز وجل لا يعجزه شيء.
31- تأكيد قدرة الله تعالى التامة الكاملة لهذا الرجل حيث جمع الله له في هذه الآيات الكونية بين الشيء وضده
فطعامه وشرابه لم يتغير مدة مائة عام، وحماره قد صار رفاتًا وعظامًا.
32- جواز الانتفاع بالحُمُرِ، وامتلاكها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾.
33- جعل الله عز وجل هذا الرجل وما حصل له آية للناس على قدرة الله تعالى التامة على إحياء الموتى، وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ﴾.
كما قال تعالى في مريم وابنها عيسى عليهما السلام: ﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 91].
34- الحث على التدقيق في النظر والتأمل في آيات الله على وجه التفصيل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ﴾.
35- حكمة الله تعالى في كسو العظام باللحم تقوية ووقاية لها؛ لأن الضرر في العظام أشد من الضرر في اللحم
لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون: 14].
36- فضل التدبر والنظر في آيات الله وعظيم ثمرته، إذ به يتبين الحق، ويحصل العلم واليقين، وتنجلي غشاوة الغفلة والجهل
لقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وهذا بعد النظر والتدبر.
37- عموم قدرة الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
ولهذا قدم المتعلِّق تأكيدًا لعموم وشمول قدرته عز وجل لكل شيء.
وفي هذا رد على المعتزلة القدرية الذين يعتقدون أن الخلق يستقلون بخلق أفعالهم، وأنها خارجة عن قدرة الله تعالى، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا.
38- وجوب العلم بأن الله على كل شيء قدير؛ لقوله تعالى: ﴿ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، على قراءة من قرأ «اعلم» على أنها فعل أمر.
39- تذكير هذه الأمة بسؤال إبراهيم عليه السلام ربه أن يريه كيف يحيى الموتى ليطمئن قلبه، وبيان الله عز وجل له ذلك
لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى ﴾ الآية.
40- فضل إبراهيم وشرفه وعظم مكانته عند الله تعالى، حيث كلم ربه، ﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى ﴾، وكلمه ربه بقوله: ﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾.
فأجاب إبراهيم بقوله: ﴿ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾، فأجابه ربه بقوله: ﴿ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ ﴾ الآية.
41- أن من أعظم ما يدعى ويتوسل به إلى الله عز وجل ربوبيته، والتي معناها الخلق والملك والتدبير؛ ولهذا كان أكثر دعاء
الأنبياء عليهم السلام باسم «الرب» وصفة «الربوبية»؛ وذلك؛ لأن إجابة الدعاء من مقتضيات الربوبية.
42- رغبة إبراهيم عليه السلام أن يجمع الله له مع «علم اليقين» في إحياء الله عز وجل الموتى «عين اليقين»، فيرى كيفية إحيائه
عز وجل للموتى؛ لأن «عين اليقين» أقوى، ولهذا قال: ﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾.
43- تقرير وإثبات إيمان إبراهيم عليه السلام بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى؛ لقوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى﴾.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم»[1].
أي: أن إبراهيم عليه السلام لم يشك في قدرة الله على إحياء الموتى، ولو شك لكنا أحق وأولى بالشك منه، مع أننا لم نشك في ذلك
فإذا انتفى الشك في حقنا، فانتفاؤه في حق إبراهيم أحق وأولى.
وليس في هذا دلالة على أن إيمان إبراهيم أكمل من إيمان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم
إنما قال هذا على سبيل التواضع، وللتأكيد على نفي الشك من إبراهيم- عليه الصلاة والسلام.
44- إثبات زيادة الإيمان في القلب؛ لقوله تعالى: ﴿ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [الفتح: 4]
وقال تعالى: ﴿ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ﴾ [المدثر: 31]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [التوبة: 124].
45- استجابة الله عز وجل لسؤال إبراهيم عليه السلام كرامة له ورحمة بالعباد، حيث أراه كيف يحيى الموتى؛ لقوله تعالى:
﴿ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ﴾، وبهذا جمع الله لإبراهيم عليه السلام بين علم اليقين وعين اليقين.
46- تمام قدرة الله تعالى على إحياء الموتى.
47- عناية القرآن الكريم بذكر مضمون القصص والمقصود منها دون ذكر أصحاب القصة ومكان وقوعها وزمانه وغير ذلك من التفاصيل التي لا فائدة في ذكرها.
فلم يذكر في القصة الأولى اسم الذي حاج إبراهيم في ربه، ولم يذكر في القصة الثانية اسم الذي مر على القرية، ولا اسم القرية، ولا نوع طعامه وشرابه، ونحو ذلك.
ولم يذكر في القصة الثالثة أسماء الطيور التي أحياها لإبراهيم، ولا أسماء الجبال التي وضع عليها أجزاءهن.
وكل هذا يدل على أن المقصود التأمل في القصص وأخذ العظة والعبرة منها، دون الانشغال بما سوى ذلك مما طوي ذكره.
48- وجوب العلم بأن الله عزيز حكيم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.
49- إثبات صفة العزة التامة لله تعالى؛ عزة الامتناع، وعزة القوة، وعزة القهر والغلبة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾.
50- إثبات صفة الحكم التام لله تعالى: الحكم الكوني، والشرعي، والجزائي، والحكمة البالغة: الغائية والصورية؛ لقوله تعالى: ﴿ حَكِيمٌ﴾.
______________________
[1] أخرجه البخاري في الأنبياء (3372)، ومسلم في الإيمان (151)، وابن ماجه في الفتن (4026) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
_ الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم.