إن مشكلة بعض الناس في هذا الزمان، أنهم يشعُرون بالإحباط، وعدم الثقة فيما يخصُّ ذواتهم
فبمجرد موقف، أو مصيبة أو كلمة، يتلاشى التقدير للنفس، ويُهدَمُ بناءُ الثقة لذاته.
والحقيقة أن الإنسان كلما احترم نفسَه، وقدَّرَها، وحافظ على تصرُّفاته وضبطها، كملت صورتُه
وازدانَتْ، وأصبح إنسانًا له قيمة واعتبار.
فهذا الأحنف بن قيس، ساد قومه بني تميم بحِلْمه وحُسْن أخلاقه، ومنطقه حتى ضُرِب به المثل في الحِلْم والسُّؤدد، ومع ذلك
كان قصيرَ القامة، وبه عِوَج في قدَميه، ولا ينبُت الشعر بعارضيه، والعرب كانت تعيب بذلك، وهذا عطاء بن أبي رباح، مفتي الحرم
كان عبدًا مملوكًا لامرأة من أهل مكة، وجمع عدة صفات، فكان أسود اللون، أعور، أفطس الأنف، أشل اليد، أعرج، ثم عمِي في آخر عمره
وما منعه هذا من أن يكون فقيهًا، عالِمًا، نفع الأُمَّة، وذكره التاريخ، وخلَّد اسمه، ومما زاده شرفًا وعِزًّا أنه كان يقول:
"أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، حتى إن عبدالله بن عباس رضي الله عنه وهو ترجمان القرآن
إذا سُئِل عن شيء يقول: "يا أهل مكة، تجتمعون عليَّ، وعندكم عطاء؟!".
فاحترم نفسَكَ، واعتزَّ بها، وقدِّر ما فيك من طاقة حبَاك الله بها، وثمِّن ما عندك من حيوية ونشاط، ولا تتأثَّر
بالكلمات السلبية المثبِّطة العابرة، ولا بالنظرات السطحية المستهزئة، إن تقديرك لذاتك، هو الشعور العميق في داخلك
والشعور الحقيقي عن نفسك، فهو ليس شيئًا يمكن لشخص آخر أن يُقدِّمه لنا.
أقول: قِفْ وتأمَّلْ نفسَكَ، وتأكَّدْ أن الأُمَّة تحتاجك، فاحترم نفسَكَ، وقدِّر ما عندكَ من خيرٍ مهما كان شكْلُكَ.