العبد بين الصبر والشكر
أُعجبت بها جدًّا حتى تمنيت أن أصبح مثلها.
كانت لها بصمتها الخاصة في كل شيء؛ في بيتها، في علاقاتها، في عملها، في كل شيء، لكن كيف السبيل إلى ذلك؟
أُريد أن أُصبح مثلها بل أفضل.
ألا تعلمين أنك مبتلاة بالفقد، كما هي مبتلاة بالعطاء؟
أتظنين أن الحكيم العليم لا يعلم ما يصلح نفوسنا؟
لا والله، حاشاه، فهو أقرب إلينا من أنفسنا ومن أمهاتنا، وهو الرحيم الخبير، يعلم ما نحتاج وما به تستقيم نفوسنا، والإنسان مبتلًى بالشر والخير، سواء أكانت نواقص يسددها باللجأ إلى الله، والصبر عليها، والسعي في تغييرها، أو مميزات، فهو أيضًا مبتلًى بها، هل ينسبها إلى الله، ويستعملها فيما يحب الله، أو ينسى ويظن أنها من عنده هو؛ فهو من سهِر وتعب وخطط؟ لا بل الله من رزق وأعان؛ فهي سنن الله تجري على خلقه، من يجتهد، فالله يهديه، ومن يسعَ، فالله يرزقه.
فالعبد بين الصبر والشكر؛ فهذا نبي الله أيوب صبر على بلاء ربه، حتى صار عبدًا أوابًا، ابتُلي بالفقد فصبر وآب.
وهذا نبي الله سليمان، شكر على نعمة ربه، حتى صار هو أيضًا عبدًا أوابًا، ابتُلي بالعطاء، فشكر وآب.
فكلاهما كان أوابًا لربه على اختلاف ابتلائه؛ فيقول الله سبحانه وبحمده: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35].
ولكن الأهم هو ألَّا يسخط العبد على قدره، نعم، نحن نسعى للأفضل، نطمع في المزيد، نرجو الله أن ينعم علينا من واسع فضله، نتفقد أنفسنا نفتشها لنطهرها ونطورها، ندعو ((يا حي، يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)).
لكن مع التسليم التام لقدر الله، مع الاطمئنان لتدبيره، مع الرضا بقضائه، فلا نمد أعيننا لما أنعم الله به على غيرنا؛ يقول سبحانه وبحمده: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131].