من مفردات غريب القرآن [3]
(عِوَجًا)
عوجًا؛ أي: انحراف وعدم استقامة؛ قال الأصمعي: اعْوَجَّ اعْوِجاجًا على افْعَلَّ افْعِلالًا، ولا يقال: مُعَوَّجٌ على مُفَعَّلٍ إِلاَّ لعُود أَو شيءٍ يُركَّب فيه العاجُ[1].
قال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].
وقال تعالى في سورة الزمر: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ [الزمر: 28].
وكتاب الله عز وجل يراد به كل ما يحتويه على أحكام وآداب وحقائق ومعارف إلهية، وهي مكتوبة مفروضة للإنسان أن يقرأها ويعمل بها وهي تكاليف لسعادته وكماله، نعم (لسعادته وكماله).
والكتاب عدلًا قيمًا، وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما أنه سبحانه أنـزل الكتاب قيمًا مستقيمًا لا اختلاف فيه ولا تفاوت، بل بعضه يصدق بعضًا، وبعضه يشهد لبعض، لا عوج فيه، ولا ميل عن الحق[2].
• ولنا هنا وقفة (لنبيِّن الفرق بين كسر عين العوج وفتحها).
العِوج بكسر العين (عِوج) إنما تكون في المعاني والسلوكيات.
أما العَوج بفتح العين (عَوج) يكون في المحسوسات، كأي شيء مادي فنقول فيه: عَوج بالفتح، وإذا انحرف إنسان عن مقصدة ومنطقة نقول به عِوج بالكسر، ومثل هذا قال ابن الأثير: حيث قال: إذا كان لفظ عوج، إذا كان بالكسر (عوج) بما ليس بمرئي كالرأْي والقول، أما إن كان بفتح العين (عَوج)، فيكون مختص بكل شخص مرئي كالأَجسام، إذًا فمن استقام على هدى الكتاب الجليل لا يكون عنده عِوج ولا انحراف ولا ضلال، إنما يكون هذا العَوج والانحراف والضلال ممن حاد عن الكتاب.
سبحان الله..
والكتاب أخي الكريم ليس به شقاء أبدًا، بل فيه سعادة دائمًا، والكتاب ليس عِبْئًا على الإنسان في الحياة الدنيا، بل هو وسيلة لتعيش سعيدًا عندما تتبع هدْيه، ولعلَّنا في تلكم الأيام عندما بعدنا عن كتاب الله، ولم نأتمر بما أمرنا به، ولم نلتزم بما نهانا عنه، وأصبحنا في اعِوجاج عن مقصدنا الفطري في أقوالنا وأفعالنا وسلوكياتنا، أحلَّ الله علينا هذا الوباء بما كسبته أيدينا؛ ليذيقنا من بعض اعِوجاجنا هذا، لعلنا نرجع إلى الطريق السليم القويم، ونعود إلى فطرتنا السوية التي خلق الله عليها الخلق، حتى تستقيم بنا الحياة.
وأخيرًا أذكِّر نفسي وإياكم أن من النعم قد تزول عنك أو تزول أنت عنها بانتهاء حياتك الدنيا، إلا نعمة (الإيمان) فهي نعمة باقية معك في الدنيا وفي الآخرة.
نسأل الله من فضله أن يوفِّقنا لطاعته، وأن يَمُنَّ علينا بنعمة الإيمان، وأن يجمعنا جميعًا في أعلى درجات الجنان.
[1] (لسان العرب) و(معجم المعاني الجامع).
[2] من تفسير الطبري.