((أجر نفع الآخرين ))
لقد وضَّح النبي صل الله عليه وسلم أن الأمة كالجسد الواحد، فهم متمسكون فيما بينهم متكاملو الأدوار في قضاء بعضهم حوائجَ بعض، وبهذا تظهر قوة هذه الأمة وترابُطها وتماسُكها، فهم كالبُنْيان يشدُّ بعضُه بعضًا. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس))،وهذا النفع يتنوَّع؛ فتارة يكون بالقول؛ كالدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بالفعل؛ كالشفاعة وقضاء الحاجات، أو بالقلب وسلامته للناس من الغل والحقد والصفات الذميمة. فيا بُشرى من كان يعمل هذه الأنواع من النفع للآخرين. إذا قدمت لأخيك المسلم أي منفعة كانت فاعلم أن هذا من الإحسان إليه، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ فهنيئًا لك على ذلك! واستشعر حالة إحسانك بشائر عظيمة لك، فمن هذه البشائر:
أولًا: بُشْراك في محبة الله تعالى لك! يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195].
ثانيًا: بُشْراك في معية الله لك! يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: 128].
ثالثًا: بُشْراك في رحمة الله بك! يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56].
رابعًا: بُشْراك في إحسان الله لك! يقول الله جل جلاله: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60].
خامسًا: بُشْراك في عون الله لك! يقول النبي صل الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))؛ أخرجه مسلم.
فإذا استشعرت هذه الأمور الخمسة العظيمة فلا شك أنك ستحرص على البحث عن نفع الآخرين، فكيف بقبول طلبهم إذا طلبوا النفع منك لهم فتسارع إلى نفعهم ابتغاء هذه الأجور العظيمة؟ ربما دعا لك صاحب هذه الحاجة بدعوة أجيبت؛ فتسعد في دنياك وأُخْراك، وهذا مما كنت ترجوه وتريده، وذلك زيادة على الفضل المتنوع في نفع الآخرين، فأبشر بالخير والمزيد، ولا تنس أنك بفعلك هذا تنشر ثقافة النفع بين الناس، فتكون أنت بذلك داعيًا إلى الخير بفعلك من حيث لا تشعر، فتكون مع نفعك للآخرين قدوةً لهم؛ولكن إياك أن تذكر في مجالسك ما فعلته مع الآخرين؛ فإن هذا ربما يجرحهم ويحرجهم. وقد لا يرتضونه، واجعل العمل خالصًا لله تعالى مخفيًّا عن الناس،وهذا الخفاء لا يمنع من حثِّ الناس على نفع الآخرين بوجه عام. وإذا أردت الاستشهاد بما تفعل فلا تذكر اسم من أحسنت إليه، حاول متابعة العمل في نفع الآخرين حتى يكون هذا الخلق سجيةً لك تتصف بها وربما تعرف بها، فإن نفع الآخرين متنوِّع، فإن لم تجد ما تنفعهم به فادع لهم، فهو لا شك أنه نفع عظيم. واعلم أن الجزاء من جنس العمل، فإن الله تعالى ييسر لك من ينفعك بما أنك نفعت عباده،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.