الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا
مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا، لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ، وَهُوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الوَتْرَ» [1]، وفي رواية: «مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»[2].
ومن أسماء الله الحسنى التي وردت في الكتاب والسنة اسم الحي، قال بعضهم: ورد اسم الحي في كتاب الله خمس مرات، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255]، وقال تعالى: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2]
وقال تعالى: ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه: 111]، وقال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ
بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 65].
قال الطبري رحمه الله: ومعنى ذلك عندي أنه وصف نفسه بالحياة الدائمة التي لا فناء لها ولا انقطاع، ونفى عنها ما هو حال
بكل ذي حياة من خلقه من الفناء وانقطاع الحياة، عند مجيء أجله، فأخبر عباده أنه المستوجب على خلقه العبادة والألوهية، والحي الذي لا يموت
ولا يبيد كما يموت كل من اتخذ من دونه ربًّا، ويبيد كل من ادعى من دونه إلهًا، واحتج على خلقه بأن من كان يبيد، فيزول ويموت فيفنى
فلا يكون إلهًا يستوجب أن يعبد دون الإله الذي لا يبيد ولا يموت، وأن الإله هو الدائم الذي لا يموت ولا يبيد ولا يفنى، وذلك الله الذي لا إله إلا هو[3].
وقال الخطابي: ﴿الحي﴾ من صفة الله تعالى هو الذي لم يزل موجودًا وبالحياة موصوفًا، لم تحدث له الحياة بعد موت
ولا يعترضه الموت بعد الحياة، وسائر الأحياء يعتورهم الموت أو العدم في أحد طرفي الحياة أو فيهما معًا[4]؛ قال تعالى:
﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88].
وقال السعدي رحمه الله: ﴿الحي القيوم﴾ كامل الحياة والقائم بنفسه، القيوم لأهل السماوات والأرض القائم
بتدبيرهم وأرزاقهم وجميع أحوالهم، فالحي: الجامع لصفات الذات، والقيوم: الجامع لصفات الأفعال [5].
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم ﴿ الحي ﴾:
1- أن الله تبارك وتعالى حي بحياة هي له صفة، حي أبدًا لا يموت والجن والإنس يموتون، بل كل ما على الأرض
كما قال تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27].
فهذا الاسم فيه إثبات صفة الحياة، وهي من الصفات الذاتية، فحياته تعالى أكمل حياة وأتمها، وتستلزم ثبوت كل كمال يضاد نفيه كمال الحياة.
2- أن حياته عز وجل منزهة عن مشابهة حياة الخلق، فلا يجري عليها الموت أو الفناء، ولا تعتريها السِّنة ولا النوم
والسِّنة هي النعاس الذي يكون في العين ويسبق النوم، وكلاهما ينافي كمال القدرة والحياة، ولا يصح أن يوصف الله بذلك
وكيف يتصور جريان النوم عليه ولا قيام للسموات والأرض إلا به؟ قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41].
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات
فقال: «إِنَّ اللَّهَ تعالى لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ
قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»[6].
فهو عز وجل حي قيوم، قال ابن القيم رحمه الله: إن هذين الاسمين يتضمنان جميع الصفات، فاسمه الحي يتضمن
جميع الصفات الذاتية من العلم والسمع والبصر والقدرة والعزة والحكمة والرحمة.
واسمه القيوم يتضمن جميع الصفات الفعلية من الخلق والتدبير والإحياء والإماتة، والإعزاز والإذلال، والعطاء والمنع والخفض والرفع [7].
3- أن الله جل شأنه هو الذي يهب أهل الجنة تلك الحياة الدائمة الباقية التي لا تفنى ولا تبيد؛ قال تعالى:
﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64].
4- يُشرع للمسلم أن يسأل ربه بهذا الاسم، روى الترمذي في سننه من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي
صلى الله عليه وسلمكان إذا حزبه أمر قال: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ»[8].
قال ابن القيم رحمه الله: وفي تأثير قوله: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ» في دفع هذا الداء مناسبة بديعة، فإن صفة الحياة
متضمنة لجميع صفات الكمال مستلزمة لها، وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الأفعال؛ ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به
أجاب وإذا سئل به أعطى هو اسم ﴿الحي القيوم﴾، والحياة التامة تضاد جميع الآلام والأسقام، ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة
لم يلحقهم هم ولا غم ولا حزن ولا شيء من الآفات، ونقصان الحياة يُضر بالأفعال، وينافي القيومية، فكمال القيومية بكمال الحياة
فالحي المطلق التام الحياة لا تفوته صفة كمال البتة، والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة، فالتوسل بصفة الحياة
والقيومية له تأثير في إزالة ما يضاد الحياة ويُضر بالأفعال»[9].
والمقصود أن لاسم ﴿الحي القيوم﴾ تأثيرًا خاصًّا في إجابة الدعوات وكشف الكربات.
روى أبو داود في سننه من حديث أنس: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ورجل يصلي ثم دعا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْمَنَّانُ، بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى» [10]، [11].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
________________________________
[1] صحيح البخاري برقم (6410)، وصحيح مسلم برقم (2677).
[2] صحيح البخاري برقم (7392).
[3] جامع البيان (3/ 1670).
[4] شأن الدعاء (ص80).
[5] تفسير أسماء الله الحسنى للشيخ السعدي (ص191).
[6] برقم (179).
[7] بدائع الفوائد (2/ 678).
[8] برقم (3524)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (3182).
[9] زاد المعاد (4/ 292 – 294) باختصار.
[10] برقم (1495)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 279) برقم (1326).
[11] النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للشيخ محمد النجدي (2/ 67- 71).
_ د. أمين بن عبدالله الشقاوي.